وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (٤٥ : ٢٣)(١).
هنا وهناك (إِلهَهُ هَواهُ) دون «هواه إلهه» فإلهه الذي تجب عليه عبادته وطاعته ، وهو الله الذي يعترف به كإله أصل مهما أشرك به ، اتخذ ذلك الإله هواه ، فلا يعبده إلّا كما تأمره هواه ، فهو ـ إذا ـ يؤلّه هواه فيما يعبد من إله ، والشرك بأظافيره هو من مخلفات تأليه الهوى ، غير المعقولة بعقل الهدى ، وإنما هوى النفس الأمارة بالسوء.
أجل! ولأن كل عبادة وطاعة لمن دون الله ، خارجة عن حكم الفطرة والعقل ، وكافة الآيات آفاقية وأنفسية ، اللهم إلّا ما تهوى الأنفس ، فهي كلها من عبادة الهوى ومطاوعتها وطاعتها ، وحين يكذبهم ـ يوم الأخرى ـ شركائهم من دون الله في عبادتهم إياهم ، علّهم يعنون كونهم عبدة أهوائهم ، فعبادتهم إياهم هي من خلفيات تلك العبادة ، فالهوى ـ إذا هي الأصيل المعبود والإله المقصود في كل مسارح الإشراك ، والشركاء فروع غير أصلاء! وكما يروى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما تحت ظل السماء من إله يعبد من دون الله أعظم عند الله من هوى متبع» (٢).
وذلك تعبير منقطع النظير ، يرسم نموذجا عميقا لحالة نفسية بئيسة تعيسة طائشة ، حين تتفلت النفس عن كافة المعايير والمقاييس الفطرية والعقلية ، وكأنما الإنسان في هذه الحالة هو الهوى وهي هو ، فلا عقلية له ولا فطرة ولا أية فكرة ، فإنما السلطة الكاملة والشرعية المطلقة هي لهواه.
__________________
(١) الدر المنثور ٥ : ٧٢ ـ اخرج الطبراني عن أبي امامة قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ...
(٢) راجع تفسير الآية في الفرقان ج ٢٥ سورة الجاثية تجد تفصيل البحث حولها هناك.