«أفأنت» بعد هذه الضلالة المعمقة (تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) وقد ضل هكذا (وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً) فلا وكالة لك في هداه (فَمَنْ يَهْدِيهِ) لو أن له هدى (مِنْ بَعْدِ اللهِ)؟!
هؤلاء الحماقى هم موحدون في تأليه الهوى ، إذ لا يتخذ أحدهم إلها إلّا هواه ، وكما الحصر مستفاد من صيغة التعبير.
(أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً)(٤٤).
(وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) (٧ : ٧٩).
هنا وهناك تعرّض وتجريح منصف لمكان «أكثرهم» او «كثيرا» دون تعميم لكافة المشركين ، فمنهم من يسمع او يعقل فيهتدي ، أم وإذا لا يهتدي ويضل فهو لا يكذّب ولا يضل.
ولأن السمع هو الأكثر فاعلية وقابلية لدرك الحقائق بين الجوارح ، والعقل أكثرها كذلك بين الجوانح ، ترى كلا يحتل هناك رأس الزاوية لهندسة الإدراك في بيئة الإنسان.
ثم وبين السمع والعقل عموم من وجه ، فقد يسمع ولا يعقل ، وقد يعقل دون وسيط السمع ، وقد يعقل فيسمع ، أو يسمع فيعقل ، فالخاوي عن سمع الإنسان وعقله خاو عن ميّزات الإنسان ، فهو كالأنعام ، ف (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ) في انعدام عقل الإنسان وسمعه: (... وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) (٤٧ : ١٢) «فلما جحدوا ما عرفوا ابتلاهم بذلك فسلبهم روح الإيمان وأسكن أبدانهم ثلاثة