(وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً) لفظيا كمفتاح لترتيل معنوي ، تدرجا لنزول أمطار الوحي الغزير على افئدة المؤمنين ، وكما يروى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «إذا قرأت القرآن فرتله ترتيلا وبينه تبيينا ، لا تنثره نثر الدقل ولا تهذه هز الشعر ، قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ولا يكونن هم أحدكم آخر السورة» (١).
فلتكون القلوب داعية الحركة بدوام البركة ، فتتفأد بأنوار المعرفة دائبة ، فلا تقف عجلة السير فيها ، لذلك (رَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً) ونزلناه نجوما.
لقد نزل القرآن لإنشاء أمة في الطول التاريخي والعرض الجغرافي ، وليقيم نظاما دائما قويما ، والتربية بحاجة إلى تدرّج في موادها ، وإلى حركة تترجم التأثر والانفعال إلى واقع المرام ، وليست النفس البشرية لتتحول قفزة من اللّاشيء إلى كل شيء.
لذلك ينزل القرآن منجّما وفق الحاجات الحية للعالمين ، وهي في طريق نشأتها ونموها ، حسب الاستعدادات الموهوبة في ظلال المنهج التربوي الرباني الدقيق العميق.
أوامر ونواهي يومية ، وإنباءات تلو بعض تتجدد فتجدّد الجانب المعرفي والحالة العملية ، يتلقاها المسلمون في أحيانها المطلوبة فيها ، المحتاج إليها ، ليعملوا بها فور تلقيها ، كما يتلقى الجندي في ثكنته او في خط النار ليطبّق واجبة ساعة فساعة ، ويوما فيوما.
__________________
(١) الدر المنثور ٦ ٢٧٧ ـ أخرجه الديلمي عن ابن عباس مرفوعا عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) وأخرجه العسكري في المواعظ عن علي (عليه السلام) عنه (صلى الله عليه وآله وسلم).