كانت الدعوات الرسالية سهلة ميسورة دون منازع ، فهي تسلك طرقا ممهدة دون خصوم ، لسهل على كل إنسان أن يكون صاحب دعوة ، مع ما يكسب على ضوئها من منصب عظيم ، ولا اختلطت ـ إذا ـ دعاة الحق بدعاة الباطل أكثر مما هو ، ووقعت البلابل والفتن أكثر مما هي!.
ولكن بروز الخصوم لهذه الدعوات الرسالية ، يضمن كفاحا لانتصارها ، ويجعل آلامها لها وقودا ، فلا يكافح ويحتمل الآلام والبليات ـ في الأكثرية الساحقة ـ إلّا اصحاب الدعوات الحقة ، الذين يؤثرون تحقيق الحق على المتاع والدعة الراحة ، ولا يتصلب على ذلك الكفاح المرير إلّا أصلبهم عودا ، وأقواهم وقودا ، وأكثرهم تطلعا إلى ما عند الله ، وعندئذ تمضي دعوة الحق وتمشي في طريقها برجالها الثابتين عليها ، الأمناء فيها ، المؤدون ضرائبها بكل غال ورخيص ، وقد حفزت الشدائد والمخاوف كل طاقاتهم وإمكانياتهم.
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً (٣٢) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (٣٣) الَّذِينَ