سورة هي ثورة على الهمجيات واللاأخلاقيات ، وهي تحمل صورة لائقة لابقة بالإنسان في خلقه ، في تفكيره وتعبيره وتقريره ، فيما يعتقده ويتوجّب عليه أو يحرم من أعمال وأقوال.
إنها «سورة النور» في بعدين : إذ تحمل آية النور ، وهي الأصل في تسميتها بالنور ، كما وتحمل في آيها كلها نورا تضيء للإنسان مسالك الحياة وتنير عليه دروب الفضائل والفواضل ، فالمحور الذي تدور عليه السورة محور التربية للضمائر واستجاشة المشاعر ، ورفع المقاييس الأخلاقية الحيوية ، لكي تشفّ وترفّ وتتصل بنور الله ، فكما الله نور السماوات والأرض فليكن الإنسان نورا في السماوات والأرض وأين نور من نور؟
(سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)(١).
مطلع منقطع النظير في القرآن كله تتقدم فيها «سورة» ليست في سائر القرآن وهو سور كله ، ثم «فرضناها» وهي فرض على فرض ، حيث القرآن كله فرض ، وهذه السورة تزيد فرضا يخصها ، لأنها تحافظ على شرف الإنسانية ونواميسها التي هي لزام كيانها وتداومها سليمة صالحة.
ومهما كان لقسم من سور القرآن صورة التنزيل كغير سورة التأليف إذ ألفت بعد التنزيل ، فهذه من التي سورتها كصورتها في التنزيل (١) وإلا فكيف
__________________
(١) تذكر «سورة» في ثمانية مواضيع دون تعيين لها إلّا هنا «فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ» (٢ : ٢٣) «يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ» (٩ : ٦٤) و ٩ : ٨٦ و ١٢٤ و ١٢٧ و ١٠ : ٣٨ و ٤٧ : ٢٠ وسور في ١١ : ١٣ فهذه تسع.