(وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا) تلمح كصراحة أن المأمور بايتائهم من (أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ) كانت عليهم جرائم يحق لأولي الفضل منكم والسعة أن يعفوا عن جرائمهم وينفقوا عليهم ، وبذلك تتصل الآية بما احتفت بها من قصة الإفك.
فقد كان يخيّل إلى البعض أن الآفك والمشارك في الإفك ـ بما كذبه الله ولعنه ـ فعلى المؤمنين أن يقاطعوه ايتلاء : أن يحلفوا بمفاصلتهم ، ويتركوهم على ما هم ، ويقصروا في مساعدتهم (١) فجاءت الآية ناهية عن ايتلائهم آمرة بإيتاء أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله (٢) فلأولي القربى حق القرابة ، وللمساكين حق المسكنة ، وللمهاجرين في سبيل الله حق المهاجرة ، لا يأتليها إفك وسواه ، كما وأن حق الوالدين لا يقطعه حتى كفرهما!
فلا يحق لأولي الفضل ماديا ومعنويا ، ولأولي السعة بذلا لفضل مالا وحالا ، لا يحق لهم ايتلائهم ، ولا سيما المحدودين منهم والتائبين إلى الله ، فالله غافرهم ومتفضل عليهم ، فتخلقوا أنتم بأخلاق الله أن تؤتوهم وتعفوا عنهم وتصفحوا (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)!
إنه «ما نقص مال من صدقة قط ، تصدقوا ، ولا عفا رجل عن
__________________
(١) هذه معان ثلاثة للايتلاء وكلها تناسب موقف الآية.
(٢) الدر المنثور ٥ : ٢٥ ـ اخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال : كان ناس من اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد رموا عائشة بالقبيح وأفشوا ذلك وتكلموا فيها فأقسم ناس من اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منهم ابو بكر الا يتصدقوا على رجل تكلم بشيء من هذا ولا يصلوه ، قال لا يقسم اولوا الفضل منكم والسعة ان يصلوا أرحامهم وان يعطوهم من أموالهم كالذي كانوا يفعلون قبل ذلك فامر الله ان يغفر لهم.