(لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ) (٦) علة غائبة للإرسال والتنزيل.
صحيح أن القرآن لإنذار الناس أجمعين ، من انذر آباءهم وأنفسهم أم لم ينذروا : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) (١١ : ٢٥) ولا الناس فقط بل العالمين : (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) (٢٥ : ١) ولكن المحور الاوّل لإنذاره (قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ) فإنهم أصلد وأصلب ، فغيرهم أقوى تأثرا وأعبد (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا) (١٩ : ٩٧) لدّا في عروبتهم ، ولدا إذ لم ينذروا من قبل ولا آباءهم ، أم لم ينذروا مهما أنذر آباءهم (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) (٣٢ : ٣) (... لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (٢٨ : ٤٦) (وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) (٣٤ : ٤٤).
فالذين أنذروا ، هم وآباءهم ، ثم الذين أنذر آباءهم دونهم ، ثم من انذروا هم دون آبائهم ، ثم من لم ينذروا هم ولا آباءهم ، هم كلهم من العالمين تشملهم آية الفرقان ، ولكنما العرب الذين لم ينذروا ، هم ولا آباءهم ، فيهم عراقيل ثلاث وجاه إنذار القرآن ، وإذا كانت عزة القرآن ورحمته لحد تؤثر في هؤلاء بعراقيلهم الثلاث ، فبأحرى تأثيرها فيمن دونهم عرقلة ، فالتحلل عن القوميات يعبّد ، وإنذار الآباء يعبّد ، وإنذارهم أنفسهم يعبّد ، تعبيدات ثلاث لتقبّل الإنذار على سهولة ويسر.
ولأن هذه الغفلة ليست لحد يسقط معها التكليف ، فواجب الإنذار يوجّه إليهم على صعوباته وعراقيله.
فثالوث الغفلة التامة ، الطامة أنفسهم ، الناتجة عن هذه الثلاث ، تجعل منهم معاندين متعنتين لحدّ :