(لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٧) لا يؤمنون لأنهم غافلون ثم ولا يريدون الهدى فهم قاصرون ومقصرون ، فقد حقت على أكثرهم كلمة العذاب ، والقلة الباقية بين قاصر مطلق دون تقصير ، وبين من يؤمن رغم الغفلة الحاكمة ، ويا لهذه القلة الثانية من يراعة ونصوع الإيمان إذ يجتازون ثالوث الغفلة إلى نور الانتباه :
أترى (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) تفريع على حقّ القول على الأكثرية العاتية؟ وهو جبر وتسيير على عدم الإيمان!
أم إن حق القول من مخلّفات (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) والفاء إجابة عن سؤال السبب في حق القول ، فلأنهم بغفلتهم يتعنّتون فلا يؤمنون (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ) و (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) (١٠ : ٩٦) لا تعني إلّا حق الكلمة على الذين يعلم الله أنهم لا يؤمنون تخيرا ، فعلمه بأنهم لا يؤمنون حتى الموت حقق عليهم كلمة العذاب قبل الموت ، وليس العلم علة العصيان ، بل هو كشف سابق عن العصيان! كما الكشف المقارن أو اللّاحق ، فإنها سواء أن ليس العلم علة ، بل هو انكشاف عما حصل أو يحصل أو هو حاصل بأسبابه ، إن مخيرا فمخيرا وإن مسيرا فمسيرا.
ف (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ) لأنهم لا يؤمنون ، أم حيث حق القول على أكثرهم ، لأن الله يعلم أنهم لا يؤمنون (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) ، وحق القول هنا كاشف أنهم لا يؤمنون.
وكلما كثرت وتتابعت عوامل الغفلة تثاقلت الذكرى بطبيعة الحال ، دون انسداد مطلق لطريق الهدى ، حيث الفطرة التي فطر الله الناس عليها تظلّ حجة دائبة تطارد العوامل الخارجية والدخيلة ، وكثير هؤلاء الذين تؤثر عليهم تلكم العوامل الجارفة ، وقليل هؤلاء الذين يطاردونها