ويتخلصون عن المعركة ، والغفلة ما لم تكن عامدة لا تحقّق القول على أصحابها ، فمن لم ينذروا من قبل ، ولا آباءهم ، فهم في غفلة قاصرة ، فإذا أنذروهم أنفسهم بمثل هذه الرسالة السامية القرآنية بحجتها البالغة ، التي تزيل كل غفوة وغفلة ، ثم لم ينتبهوا ، فهم إذا في غفلة عامدة ، (فَهُمْ غافِلُونَ) إذا له بعدان قصورا وتقصيرا ، وليس حق القول إلّا على أكثرهم وهم المقصرون في غفلتهم بعد ما أنذروا ، وأما القاصرون وباحرى المؤمنون ، فهم القلة الناجية التي لم تحق عليها القول ، إلّا مغفرة ورضوانا أم وإيمانا!.
و «القول» كما في سائر القرآن هو وعد العذاب (وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ) (٢٩ : ٧١)(١).
(إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ)(٨).
ولماذا «لا يؤمنون»؟ لأنهم بما لم ينذروا ولا آباءهم غافلون ، ولأنهم لمّا أنذروا ثبتوا على الغفلة عامدين ، فقد تجاوبت العوامل الخارجية : (ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ) قصورا ، والعوامل الداخلية تقصيرا ، فتعمّقت الغفلة فيهم وتحمّقت لحد أصبحوا غفلة على غفلة (ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) كما زاغوا ، ومثلهم في زيغهم عن الحق وعماهم عن مشاهدة الحق ، واستكبارهم على شاهد الحق (إِنَّا جَعَلْنا ...).
وعلّ الأول تمثيل عن الغفلة الأنفسية ، والثاني هي الآفاقية ، فلم
__________________
(١) «بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ. فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ» (٣٧ : ٢١) «وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ. ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ. أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ» (١٦ : ١٠٨).