الخلق الأول لبني الإنسان كان يتطلب تدرجا في تنقّلات بزجرات واقعية : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ) (٩٠ : ٤) وفي المعاد زجرة واحدة : طردة بصوت قارع هو الصيحة والنفخة الثانية في الصور ، ونقرة في الناقور (فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ) وكما في خلق آدم الأول (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) (٢١ : ١٠٤) (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٦ : ٧٧) أترى كما النفخة هي للناكرين يوم الدين زجرة ، كذلك هي للمصدقين زجرة؟ وهي بداية العذاب! كلا ، فانها لمن (قالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ) كأولى ويلة لهم! دون سواهم.
ثم «هي» في «إنما هي» تعني الصيحة والنقرة والنفخة ، فهي للناكرين زجرة وللمصدقين نفحة ، مهما ليست هي في ذاتها إلّا هيه ، فلكلّ شاكلته يوم الرجعة (فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ) «... بالساهرة»!
(وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ)(٢٠)
نقلة قاصدة من برهان الواقعة ـ لمّا لم يك ينفع ـ إلى واقعة البرهان ، تستعرض معرض الويل والعويل من حصيلة الزجرة الواحدة علّهم ينتبهون ، وعن غيّهم يرجعون!
«يا ويلنا» كيف كذبنا يوم الدين رغم براهينه القاطعة! يا ويلنا مما وقعنا فيه نتيجة تكذيبنا ف (هذا يَوْمُ الدِّينِ) : الطاعة ، حيث تبرز في جزاء وفاق : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى).
وبينا هم في قولتهم الويلة ، إذا لهم بويلة أخرى تقرعهم من حيث لا يحتسبون ، كما لم يحتسبوا حسابا ليوم الدين :