ولقد كان تأصيل الآباء القدامى ـ في أي أصل ـ من الخرافات الجارفة عند الجاهليين ، فإذا تسهلوا في أمرهم أنفسهم استصعبوا ذلك الأمر من آبائهم الأولين ، وهم على سواء فيما لهم وعليهم ، وآباءهم كأمثالهم كانوا أبناء آباء لهم قبلهم وحتى ينتهى إلى آدم (خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) والجواب الصارم عن كل هذه الاستبعادات :
(قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ)(١٨)
«نعم» ليست إجابة عن سئوال استعجاب مجردا عن دليل ، حيث البراهين تحتف بهم من بين أيديهم ومن خلفهم وهم بكم عن جوابهم أنفسهم «نعم» وهنا إضافة «وأنتم» الأبناء الآخرين والآباء الأولين «داخرون» : أذلّاء صاغرون ، أمام القدرة الحكيمة : (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ).
وليس يطول بين «نعم» في إجابة لفظية ، وبين «نعم» في إجابة واقعية ، فإذا هم أمام مشهد من مطوّلة المشاهد ومهوّلتها ، يلتقي فيها الوصف بالحوار ولات حين فرار :
(فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ)(١٩)
في غمزة عاطفة ، وومضة خاطفة ـ فقط ـ قدر ما تطلبه زجرة واحدة : (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ). (٧٩ : ١٣) (فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ) ما كانوا ينكرون ، ينظرون أنفسهم مبعوثين ، وينظرون حق الوعد يوم الدين بعد ما كانوا يوم الدنيا عنه عمين! (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ).