«لا يذكرون» ـ (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) عن غيّهم على عيّهم في الإجابة عن أسؤلة الوحي حيث تبكتهم وتسكتهم!
(وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ)(١٤) فآيات الله البارعات التي هي مواد الذكرى والإيمان بالله ، تنقلب عند هؤلاء ـ المقلوبة قلوبهم والمعقولة عقولهم ـ موادا للسخرية ، يطلبونها وسائل الهزء بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ودعوته ، ماء يزيدهم عطشا ودواء تزيدهم داء : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ):!
(وَقالُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ)(١٥).
فهل «هذا» نبأ الرسول العظيم أنكم ستحشرون؟ وليس النبأ أيا كان سحرا مهما كان كذبا! أم «هذا» برهانه القاطع وتبيانه اللّامع الذي لا قبل له ولا جواب عنه ، فهو يقنع العقول في كافة الحقول؟ (أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ) (٥٢ : ١٥) أفكلما لا يلائم أهواءكم وما تشتهون ، إنه سحر مهما برهنت له براهين حسية وعقلية وفطرية «وماذا بعد الحق إلا الضلال المبين»!
الرسول يدعي أمرا ببرهان ، ويدعوكم لتصدقوه دون مجازفة ، ثم أنتم تنكرونه وتكذّبون دونما برهان ، إلّا دعوى جازفة جارفة (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) فما دائكم؟ وما دوائكم؟! (أَفَسِحْرٌ هذا) لقيلكم :
(أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ)(١٦) وقد خلقكم اوّل مرة ولم تكونوا شيئا مذكورا! وقد خلق السماوات والأرض وهو أشد من خلقكم اعيانكم وأمثالكم!
(أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ)(١٧) وهم أبعد عهدا في موتهم ، فترابهم وعظامهم؟ وهم أعظم منا فأبعد أن يتقبلوا إعادة في المعاد؟ وهم وآباؤهم سواء أمام القدرة الحكيمة!