هنا هي فتنة للظالمين كما فتنوا ، وواقع الفتنة العذاب لهم في أصل الجحيم.
صحيح أن الناس لا يعرفون رؤوس الشياطين ، ولكنها مفزعة كما الشياطين ، ومجرد تصورها في غيبها يثير الفزع والجزع ، فكيف إذا كانت طلعا يتطلع لطالع أكلتهم ، وإذا كان طلعها كأنه رءوس الشياطين فما ذا ـ إذا ـ سائرها الذي أجمل عنه.
(فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٦٦) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ)(٦٧).
عند ما تشوكهم شائلة الأكلة المالئة من هذه الشجرة الملعونة ، حارقة بطونهم ، تطلعوا ـ بطبيعة الحال ـ إلى شراب يخفف عن وطئتها ، ويطفف عن وقعتها ، فإذا لهم بشوب من حميم يشوبها ، فهو يغلي كما تغلي ، شوبا ثنائيا من غلي البطون : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ. كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) (٤٤ : ٤٣)
(فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ. فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ) (٥٦ : ٥٥)
شوب الحميم داخلي إذ شابه ما يحمّه أكثر من نفسه ، وخارجي إذ شابته شجرة الزقوم ، وثالث ثالوثهم في عذابهم الأليم أنه (شُرْبَ الْهِيمِ) وهل لهم مرجع يرجعون إليه ويلجئون؟ :
(ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (٦٨) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ (٦٩) فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ) (٧٠).
الجحيم : النار الشديدة التأجج ، هي مرجعهم فتحرقهم بعد ما احترقوا بنزلهم ف ـ (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا) ووجدوا «آباءهم» القدامى «ضالين» ورغم ضلالهم (فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ) في الضلالة «يهرعون» ويسرعون ،