حال ، وفي اضطرار التقية لا تحل إلّا التورية كما فعلها إبراهيم في قوله (إِنِّي سَقِيمٌ) والرواية القائلة أنه (عليه السلام) كذب (١) مضروبة عرض الحائط ، فما دار الأمر بين كذب إبراهيم وكذب الرواية عنه فكذبها أحرى من كذبه (عليه السلام).
إنهم هموا بالذهاب خارج البلد إلى عيد لهم جامع ، فطلبوا إليه مرافقتهم فأبى معتذرا (إِنِّي سَقِيمٌ) وقد كان يهددهم بكسر أصنامهم : (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) (٢١ : ٥٧) فهل تناسوا تهديده في قبول عذره ، أم استهانوا به أنه قولة جوفاء لا يتجرأ على تحقيقها؟ على أية حال قبلوا عذره ، وهو عاقد عزمه على أن يهدم صرح آلهتهم ويقوّض عروش معبوداتهم بهذه الصراحة والجرأة المسبقة والاعتذارة الملحقة ، رأى ان حجته القولية وإن وضحت وضح الشمس في رايعة النهار ، ولكنها لا تنبت في أراضي قلوبهم الجرز نباتا
فأراد أن يشرك أبصار القوم مع بصائرهم ، وحواسهم مع أفئدتهم في تفهّم عقيدته علّهم يثوبون إلى رشدهم ويتوبون عن غيّهم.
لذلك وهو يهدف الهدف العظيم يضطر إلى ادعاء العلة عن
__________________
ـ (عليه السلام) وانا عنده ان سالم بن أبي حفصة وأصحابه يروون عنك انك تكلم على سبعين وجها لك منها المخرج؟ فقال : ما يريد سالم مني؟ أيريد أن أجيئ بالملائكة والله ما جائت بهذا النبيون ولقد قال ابراهيم (عليه السلام) اني سقيم وما كان سقيما وما كذب.
(١) في التفسير الكبير للفخر الرازي ج ٢٦ ص ١٤٨ قال بعضهم ذلك القول عن ابراهيم (عليه السلام) كذبة ورووا فيه حديثا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انه قال «ما كذب ابراهيم الا ثلاث كذبات» قلت لبعضهم هذا الحديث لا ينبغي ان يقبل لان نسبة الكذب الى ابراهيم لا تجوز فقال ذلك الرجل فكيف يحكم بكذب الرواة العدول؟ فقلت لما وقع التعارض بين نسبة الكذب الى الراوي وبين نسبته الى الخليل ـ