(وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ) (٢١ : ٨٣ ـ ٨٤.
نصان في سائر القرآن يتحدثان عن بلوى أيوب وصبره عليها ، باختصار في الأنبياء ، وفصلا هنا.
ذلك النبي العظيم الذي طمع الشيطان في تضليله بنصبه وعذابه ، أن يصدّه عن عبادة ربه أم ينقصه ، ولم يصده ربه امتحانا لعبده ، فعمل في ذلك واعتمل ولم يرجع عنه على طول المدة وطائل النصب والعذاب إلّا خاسئا وهو حسير!
أجل ، وليكن أيوب قبسا وهّاجا في الإيمان ، ومثلا عاليا وحيدا في الصبر واليقين ، حيث ينكص الشيطان على أعقابه ويجمع شياطينه المردة ، ويوحي لهم أن الله ليس ليصدهم عن أية أذى يريدونها بأيوب ، فقالوا : نجرّده عن أهله وماله وصحة حاله ليعود مجردا عن إيمانه حيث تشغله بليته باله هنا يريد الله بذلك السماح إمتحان عبده ، ويريد الشيطان امتهانه (وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)
ولقد سلّط الشيطان على قصوره فجعلها قبورا ، وعلّ على ولده أيضا فبدّلهم ميتا ، وعلى مواشيه وأمواله ، وعلى بدنه ، فقلبه في حظوظه المادية ظهر بطن لا يبقي له شيئا ولا يذر إلّا أطاح به ودمّر.
يريد الشيطان ليضطر عبد الله أيوب إلى اختراق ثوب الاصطبار إذا تهدمت عليه أركان حياته ، في ماله وأولاده ودوره وحاله ، ويريد الله ليجعل من أيوب عبدا صبورا أوّابا شكورا ، تصبح قصته ذكرى للعابدين وعبرة للمصابين ، وعزاء للمكروبين ، وسلوى للمرضى والزمنى والمجروحين.