مرت الأيام ، وتحدرت الأعوام وأيوب لا يزال على شكاته حتى هزل جسمه وذهب لحمه ، وأصبح منقوف الوجه شاحب اللون ، لا يقر على فراشه من الآلام.
فرّ عنه الصديق ، وجانبه الرفيق ، ورغبت عنه شيعته ومن حوله إلّا زوجه الرؤوف العطوف الحنون حيث تحننت عليه ما وسع قلبها الحنان ، وعنيت به ما استطاعت إليه سبيلا ، ورفّت عليه بجناحيها ، وبسطت له أكناف قلبها ، وما شكت إلّا هموما تساورها من آلامه ، ومخاوف تتحذرها على حياته ، ولكنها ظلت أيام مرضه حامدة راضية ، مؤمنة محتسبة.
لهذا أعيى أمر أيوب عبد الله إبليس عدو الله ، ولم يجد إليه سبيلا إلّا من قبل زوجه ، فانطلق إليها وهي في بعض شأنها مع أيوب ، فتمثل لها رجلا وقال : أين زوجك؟ قالت : هوذا عميدا وقيذا ، يتضور من الحمى ، ويتقلب مما ألح عليه من الداء ، فلا هو حي ولا هو ميت.
هنا طمع اللعين في إغوائها فأخذ يذكرها بما كان لزوجها في صدر شبابه وغضاضة إهابه من صحة وعافية ونعمة صافية ، فأعادت لها الذكرى الأشجان ، وأثارت لديها كوامن الأحزان ، ثم أخذ يدركها الضجر وينساب إلى قلبها اليأس فذهبت إلى أيوب قائلة :
حتى متى تعذّب ، أين المال؟ أين الجمال ، اين الحال والعيال ، اين شبابك الذاهب ، اين عزك القديم؟! فأجابها قائلا : أراك قد سوّل لك الشيطان أمرا ، أتراك تبكين على عز فائت ، وولد مائت؟
فقالت : هلا دعوت الله أن يكشف عنك حزنك ويزيح بلواك؟ قال : كم مكثت في الرخاء؟ قالت : ثمانين ، قال : وكم في البلاء؟ قالت سبعا.