قال : أستحي من ربي أن اطلب إليه كشف بلائي ، ولمّا قضيت فيه مدة رخائي ، ولكن يخيل لي أنه قد بدأ يضعف إيمانك ، ويضيق بقضاء الله قلبك ، ولئن برئت وأتتني القوة لأضربنك مائة سوط ، وحرام عليّ أن آكل من يديك بعد اليوم طعاما أو أشرب شرابا ، أو أكلفك أمرا ، فاغربي عني حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا!
أصبح أيوب ـ الآن ـ وحيدا فريدا وقد اشتدت آلامه ، وتضاعفت أسقامه ، ففزع إلى ربه داعيا متحننا ، لا شاكيا متبرما ف (نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ) (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (٢١ : ٨٣) وذلك في آخر الامتحان ، وكما تدل الآية التالية (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ...) استجابة دون فصل!
يشكو ربه الرحيم من الشيطان الرجيم دون أن يصارحه في كشف ضره ، وإنما عرضا لحاله (أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ ...) وقرنا لرحمته تعالى إلى حاله (وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) فإن رأيت فارحم عبدك ، وإلّا فأنا من الصابرين ، فاستجاب له ربه فور عرضه (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ...).
أجل! ولحد الآن يصمد أيوب لوسوسة الشيطان ، فيرتقي إلى ذروة الإيمان (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ). (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ) ـ وليس الركض حسب العادة إلّا برجل ـ فذلك لمحة إلى مدى مرضه لحد لم يك يمشي برجل ، ولكنه الآن (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ) عدوا قفزة أولى إلى الصحة ، ثم وثانية إلى العافية : (هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ) فلم يكن يسطع قبل لاغتسال ولا شرب شراب.
فما شرب واغتسل حتى اندملت قروحه ظهر بطن ، وبرئت جروحه ، وكأن بارد الماء كان مرحما ملحما ، رغم أنه يضر بالجروح في عادية الأحوال!.