والوجه الأول هو كل الوجه قلبا وقالبا أن يتقي الإنسان يوم الدنيا سوء العذاب يوم القيامة بوجهه الظاهر والباطن ، في كل مواجهة لنية واعتقاد أو عمل أما ذا ، فهو يتقي سوء العذاب بوجهه في كل وجوهه ومواجهاته ، هل يستوي هو ومن لا يتقي فهو ظالم (وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ)!
والوجه الثاني هو وجه القالب ، فلأنه أشرف الأعضاء ، مظهر الحسن والحسّ وصومعة الحواس ، فإذا اتجه إلى الإنسان عذاب اتقى بيده وسواها من أعضاء وجهه ، حفاظا على الأشراف الأعلى ، حيث فيه حفاظ عليها كلها ، ففيه سمعه وبصره وفمه ولسانه ، وإذا تعطلت الأعضاء أو عطّلت ، فاليدان مغلولتان إلى العنق أمّاذا لغيرهما ، فهو ـ إذا ـ يتقي بوجهه سوء العذاب حين يلقى في النار : (أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ) (٤١ : ٤٠) حيث يلقى فيها مكتوفا فأول ما تمس النار وجهه ، فيتقي بوجهه سوء العذاب وهو الإلقاء مهانا في النار.
وما أخطره موقفا (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ. تَرْهَقُها قَتَرَةٌ. أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) ومع هذا الهول في زحمة العذاب يتلقى كلمة التأنيب عذابا فوق العذاب : (وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) بوجوهكم وكل الوجوه! والمعنيان علّهما معنيّان مهما كان الثاني أوجه ، والقرآن حمال ذو وجوه فاحملوه على أحسن الوجوه ، ومن الأحسن الجمع بين الحسن والأحسن ، فإنه أحسن من ذلك الأحسن ، اللهم إلّا أن يختص الحسن بعناية التفسير فغير حسن.
ثم يلتفت من مشهد الحاضرين إلى مشهد من الغابرين ليدل على سنة الله في الكافرين ، غائبين وحاضرين ليصبح أهل الذكرى من فعلتهم حاذرين.