ترى لماذا هنا (إِلى ذِكْرِ اللهِ) وليس كما هناك (بِذِكْرِ اللهِ)؟ قد تكون «إلى» لامحة إلى وقت اللين بعد الاضطراب ، أنها تضطرب مقشعرة بكلام الله ، فلما سلكوا به إلى ذكر الله ، فملئت به قلوبهم ، لانت بعد اضطراب ، فرارا منه إليه ، وفرارا من كلامه إلى ذكره (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)!
أنت تزور عظيما يكلمك بما يتوجّب عليك ، فتأخذك الهيبة والرهبة لأوّل وهلة ، ثم بعد هنيئة تستكن إليه وتنعطف بعطفه ولطفه ، فيلين قلبك بعد اضطراب ، وتفرح بعد اكتئاب!
كذلك الله وأحرى بكلامه وفوق خلقه قدر ما يفوق خلقه ، يقشعر منه جلدك ثم تلين إلى ذكره (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)!
و «إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تحاتت عنه ذنوبه كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها» (١).
(ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) ولكن هدى الله وإضلاله ليسا فوضى جزاف ، فإنما يهدي الله من يهتدي توفيقا له في هداه ، مزيدا واستمرارا ، ويضل من ضل تركا له فلا يوفقه ويذره في طغيانه يعمه وفي غيه يتردّد.
(أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ)(٢٤).
في الاتقاء بالوجه وجهان قد تعنيهما الآية ، اتقاء في الدنيا فيوم القيامة ظرف لسوء العذاب ، واتقاء يوم القيامة فهو ظرف الاتقاء.
__________________
(١) المجمع روى عن العباس بن المطلب ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : ...