(رَجُلٌ يَسْعى) في مجيئه وفي مناصرته المرسلين وفي كلما تتطلّبه من سعي.
(قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (٢١).
فالاهتداء الرباني فيهم ظاهرة الملامح وكما استدلوا به في حجاجهم على هؤلاء المكذبين ، وهذه سنة دائبة للمرسلين ، كما وأن عدم سؤال الأجر سنة لهم ثانية وبذلك لهم إمكانية البلاغ المبين ، فالسائل اجرا في بلاغة يحدّده بحدود أجره ، ويراعي فيه طلبات المرسل إليهم ، والذي لا يسأل اجرا وهو ضال ، شيطان يرائي ، والمهتدي الذي قد ينحو نحو ضلال قاصرا أو مقصرا لا يهدي إلى الحق الصراح : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)؟ واما من لا يسأل أجرا وهم مهتدون ، فهم الهادون الذين يجب إتباعهم ، فإن لهم البلاغ المبين دون أي خفاء في أصله وفرعه ، في صورته وسيرته ، كالنار على المنار والشمس في رايعة النهار ، تجب متابعتهم دون قيد ولا شرط لمكان العصمة والهداية المطلقة كالرسل والأئمة ، وأما سائر العلماء الربانيين ، فاتباعهم لغير العلماء محدود بحدود الهدى والمصلحة ، حيث يسقط واجب اتباعهم وولايتهم عند الاخطاء قاصرين أو مقصرين ، وبأحرى ليس الفقيه وليا على فقيه آخر إلّا عمليا في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (١) وكما للمؤمنين ككل بعض البعض (الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (٩ : ٧١).
وان تعجب فعجب من هؤلاء الذين يدفعون أجرا ويضلون ، ثم من يضلون دون أجر ، ومن ثم يهتدون بأجر ، فما الهدى الصالحة إلّا هدى
__________________
(١) راجع سورة الأحزاب.