فصل ، فان «قيل» هنا و «قال» تدلان على استمرارية حياة الميت بعد الموت ، فلا يعني الموت إلّا فصل الروح ببدنه البرزخي عن هذا البدن ، ولا يعني موت الروح وفوته وكما تفصله الآيات البرزخية الأخرى.
ولما (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ) قال مبتهجا لنفسه ، متحسرا على قومه (يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ) أمرين خفيا عنهما :
١ ـ (بِما غَفَرَ لِي رَبِّي) أن أذهب عني سيأتي رفعا ، ودفع عني التي كانت تهاجمني ، ولا فحسب الغفران بل ـ ٢ ـ (وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) وهم بين الملائكة : (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ. لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) (٢١ : ٢٧) وبين سائر المؤمنين من مخلصين (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ ... وَهُمْ مُكْرَمُونَ) (٣٧ : ٤٢) ومن مخلصين: (أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ) (٧٠ : ٣٥) وهم مشتركون ـ على درجاتهم ـ في أنهم لا يعذّبون ولا يؤنّبون ، ولذلك نرى الرجل يستقبل فور موته ب (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ).
وكما الله أكرم ذلك الرجل الناصر للمرسلين ، كذلك أهان قاتليه المكذبين أن اخمد ثائرتهم بصيحة واحدة دون أن ينزل عليهم من جند من السماء (وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ) جند السماء على مردة الأرض ، واستصغارا لموقفهم واستضعافا.
(إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ)(٢٩) صيحة واحدة أخذت جموعهم المحتشدة المتكاثفة المتكاثفة ، التي كانت كنيران مسعّرة على الرسالات (فَإِذا هُمْ خامِدُونَ) خاملون دون حراك في أي عراك ، ويكأنهم لم تسبق لهم حياة! صرعى سبات مهانين مصغّرين ، وقد سدل الستار سراعا على مشهدهم البائس المهين.