التكوين (فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٣ : ٤٧) أو في التشريع (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (١٧ : ٢٣) أم في خلافات خاصة ، كلها في الأولى ، وما سوى الوسطى في الأخرى ، فهو ـ فقط ـ يقضي بالحق في الدنيا والآخرة بمثلث القضاء ، والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء.
أترى الشيء هنا يعم الشيء الحق والباطل ، ودعاة الحق يقضون بالحق ، ودعاة الباطل يقضون بالباطل فكيف (لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ) مهما لا قضاء لمن دونه تكوينيا؟ أم هو الشيء الباطل والقضاة به كثير؟
(الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) يعم الدعاة والمدعو إليهم ، لمكان «يدعون» دون يدعونهم ، فقضاء دعاة الباطل ليس بشيء في التشريع والقضاء فإنه باطل ، ولا في التكوين لأنه من أصله زائل ، ثم المدعو إليهم بين من لا قضاء له أصلا كالأصنام والأوثان ، فحقا إنهم لا يقضون بشيء! وبين من يقضون بالحق فلم يقضوا بشيء يهواه دعاتهم كالملائكة والنبيين ، ومن يقضون بالباطل وليس الباطل بشيء! طالما الشيء المقضي به فيمن دونه لا يعم التكوين.
(لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ)(٤٣)
فمن لا يقضي بشيء بين العباد كيف يكون إلها أو شريكا لله (إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)؟
(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ)(٢١).