الم يرجعوا الى فطرهم وعقولهم ، ولم يسمعوا إلى رسلهم ، وبعد هذين إذ تركوهما (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) سيرا تاريخيا في أحوال الغابرين وأهوالهم (فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ) فيعتبروا ممن قبلهم (كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ) فلم تمنع قوتهم وآثارهم الأشد عن أخذ الله (فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ) أخذ (اللهِ مِنْ واقٍ) فيا لمصارع الغابرين من معتبر وهم واقفون موقفهم فهل من مدّكر؟.
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ)(٢٢).
وهكذا تكون عاقبة الكفر بآيات الله البينات ، أخذا في الأولى قبل الأخرى ، تدليلا على مدى الأخذ في الأخرى.
ومن أنحس النماذج للذين كانوا من قبلهم ثالوث فرعون وهامان وقارون ، كل يمثل جانبا من الكفر والمجموع جملة الكفر ، تتجاوب في ضخامة الصراع بين الكفر والإيمان في ذلك المقطع من التاريخ :
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢٣) إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ)(٢٤).
فرعون وهامان وملأهما لم يكونوا من بني إسرائيل وقد أرسل إليهم موسى رسالة قاصدة ، مما يدل على أن هذه الرسالة السامية غير محصورة في بني إسرائيل مهما كانوا هم المحور الأصيل فيها (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَظَلَمُوا بِها ...) (٧ : ١٠٣)(١).
__________________
(١) ينضم ملأ فرعون إليه في الرسالة الموسوية في الآيات التالية : ١٠ : ٧٥ و ١١ : ٩٧ و ٢٣ : ٤٦ و ٢٨ : ٣٢ و ٤٣ : ٤٦.