وترى ما هو الأمر الذي يفوّض إلى الله ، ولا تحمله إلّا هذه الآية في سائر القرآن؟
«أمري» لا تعني كلّ أمر ، فإنما هو أمر الحياة في خطورتها عقيب هذه الدعوة الصارمة وليس بيده ، وأمر الدعوة حيث بلغت إلى آخر المطاف فلا حول له ولا قوة إلّا كما فعل ، فليس هو أمر التكليف أن ينسحب المكلف عن أمره وهو في استطاعته فيفوضه إلى الله ، ولا الأمر الذي ليس منه ولا إليه مما يختص بالله فإنه كله لله ليس لأحد فيه أمر سواه ، إذا فهو امر بين أمرين ، أن يواصل في تحقيق ما حمّل كما يستطيع ، ويفوض أمره إلى الله فيما لا يستطيع ، اقتساما لأمره بين أمرين ، مهما كان متوكلا عليه في كلا الأمرين ، فليس التفويض ـ وهو الرد ـ إلّا بعد تقويض ، دون الأمور المستطاعة المحولة إليك ، ولا غير المستطاعة المستحيلة عليك ، فلا رد فيهما إلى الله ، إلّا فيما لا قوة فيه إلّا بالله وقد حول إليك.
(أُفَوِّضُ أَمْرِي) هذا «إلى الله» لا سواه ولا فوضى جزاف ف (إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) حيث يأمرهم بما لا يستطيعون إنهاءه وإكماله ، فأنا قد عملت بواجبي كما أمرت ، ثم الله يكفيه فانه الكافي لا كافي سواه.
فقد يريد الله أن أقتل دون دعوتي ولكي أفوز أنا وتفوز دعوتي ، كما قتل الكثير من دعاة الحق دون دعوتهم إلى الحق ، أم يريد الإبقاء عليّ تعجيزا لعدوي ، أم وإفناء عدوي بعدي وهم ينظرون ، وأنا فائز على أية حال ما لم يمسوا من كرامتي إضلالا لي أو انتقاصا من إيماني.
إذا فليس كل من يفوض أمره إلى الله ، في دعوته إلى الله ، يضمن بقاءه فيها ، وإنما المضمون ـ إذا ـ الحفاظ على إيمانه ، والإبقاء على دعوته مهما قضي عليه في شخصه وكثير ما هم ، وهناك قلة قليلة كإبراهيم ويوسف وآل موسى وجاه آل فرعون : «والمفوض أمره إلى الله في راحة الأبد