(إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ) (٣٥ : ١٤) (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) (١٣ : ١٤).
ففي مربع الدعوة لا تجد لهم ضلعا ضليعا ألّا ضئيلا من دعوة باطلة لا تملك أي برهان ، فليست هي أيضا بدعوة ، فهل تجد إلها دون دعوة في الدنيا وهي تجواله ، وبأحرى (وَلا فِي الْآخِرَةِ) فالملك يومئذ لله ولا يتكلمون إلّا من اذن له الرحمن وقال صوابا ، (وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللهِ) دون الآلهة التي ليس لها دعوة (وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ) في نكران الحق (هُمْ أَصْحابُ النَّارِ) لا سواهم مهما دخلوا النار بكبيرة موبقة ثم يخرجون ، فأصحاب النار هم الآبدون في النار.
وهذه جولة أخيرة في حجاج الذي آمن وجاه اللجاج العارم من آل فرعون فأصبحوا في ارتجاج ، ولا سيما في ختامها حيث يخبرهم عن مستقبلهم أسفا على ماضيهم وحالهم ولات حين مناص :
(فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ)(٤٤).
لم يبق عليّ بعد هذه الحوار من شيء (فَسَتَذْكُرُونَ) هنا وفي الأخرى (ما أَقُولُ لَكُمْ) ولا تنفعكم الذكرى (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي) في مكرهم عليّ (إِلَى اللهِ) فلا قوه إلّا بالله (إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) بصير بمن يدعو إليه ما أمكنه لحدّ الخطر على نفسه ونفيسه ، وبصير بمن يصر في إنكار واستكبار ، فلا بد وأن ينصره عليهم وكما فعل ، فقد كان هناك تخاوف ، إخافة من آل فرعون وإجابة عنها ب (فَسَتَذْكُرُونَ ... وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ ...).