فما لم يكن ضعيفا في نفسه لا يستضعف في دينه ، بل يتبلور إيمانه مهما استضعف إلّا الضعيف القاصر غير المقصر.
إن الضعفاء المقصرين تنازلوا عن كرامات الله وتغافلوا عن كرامة الإنسانية المستقلة الحرة المختارة ، وانساقوا انسياق الشياة وراء المستكبرين والطغاة ، ولم يسمحوا لأنفسهم أن يقولوا «لا» اللهم إلّا بلى في كل بلاء لعناء أوردوهم فيها ، ولا سمحوا أن يفكروا في هذه الحياة الرذيلة الهزيلة ، زاعمين أن المستكبرين يغنون عنهم في الأخرى كما أغنوا ـ فيما خيّل إليهم ـ في الأولى ، فجاء الجواب حاسما لأوهامهم (إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ) (لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ) لا محين إلى استحالة في هدى الله إذ لم يكونوا من أهلها ، ولكن أضلنا الله فأضللناكم!.
وفي محاجة أخرى (إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ ، قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (٣٧ : ٢٩) فقد كنتم ضعفاء في أصل الإيمان فاستغللناكم باستضعاف على ضعفكم ظلمات بعضها فوق بعض.
(إِنَّا كُلٌّ فِيها) فانّ كلنا ضعاف لا نقدر على شيء ، فلا نجد لنا نصيرا ولا مصيرا إلّا النار ولا يغنينا عنها شيء إلّا البوار ، هنا ييأس الضعفاء عن الكبراء فينعطفون إلى خزنة جهنم :
(وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ (٤٩) قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ)(٥٠).
(الَّذِينَ فِي النَّارِ) في نفسها تعم الخالدين والآبدين وغيرهما ، وتخفيف