(فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ)(٨٣).
اعتزوا بعلومهم التي كلها حلوم وظنوا أنها العلم لا سواه ، وحياتهم هي الحياة لا سواها.
«فرحوا» به ومرحوا واستهزؤا بعلوم الرسالات ، واعتبروها تأخرا عن الحياة ، فالحياة التقدمية هي العلم بالدنيا وطاقاتها وحالاتها والعمل لها ليس إلّا ، فإنها هي التي تصلح للحياة حيث تصلحها ، دون العلوم الروحية التي لا تأتي إلّا بأسر الإنسان وحصره عن حريته في الحياة ، ولكنما العلم دون إيمان فتنة أيا كان وحتى العلوم الروحية ، فإنه يوحي بغرور ، ويبعث إلى شرور ، حيث يستخفه علمه وينسى جهله ، فلا يطامن من كبريائه وعليائه ، إلّا إذا تبنّاه الإيمان ، أم هو تبنّى الإيمان ، وما العلم الظاهر إلا وسيلة لظاهر الحياة ، ولا العلم الروحي إلّا وسيلة لحقها الباطن ، فلولا الإيمان لم يلي في العلم إلّا خسران (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) (٥٣ : ٣٠) (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) (٣٠ : ٧).
ولكنهم «حاق بهم» وأحاط (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ).
كانوا يستهزؤن بمواعيد الله عليهم فحاقت بهم :
(فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ)(٨٣) ونرى ايمانهم عند رؤية البأس ينفعهم وما هو بإيمان؟
(فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ)(٨٤).