عنه! ولماذا الليل نسلخ منه النهار دون النهار نسلخ منه الليل؟
هذا تعبير قاصد لمثل آخر زمانا بعد المكان يمثّل تواتر الموت والحياة ، إحياء لميت المكان : (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ) ثم إماتته هناك ، وإماتة لحي الزمان ثم إحياءه كما هنا ، يصور لنا الليل ملتبسا بالنهار ، فكما الحياة للأرض المكان كانت عارضة متواترة ، كذلك الحياة النور لليل الزمان عارضة متواترة ، أصالة الموت في المكان والزمان ، وعارضية الحياة فيهما ، والأثير المظلم في أصله يصبح بإشراقة الشمس نهارا ، فإذا سلخ منه لباس النهار يرجع ليلا كما كان.
إن الجو بالزمان ككل هو مدار الليل الأصل والنهار الفرع : (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ) (٣٩ : ٩)(وَآيَةٌ لَهُمُ) توحيدا للمبدء وتحقيقا للمعاد «الليل» الخامل بظلامه مثالا لميت الزمان (نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) نزعا للباس النهار عن الجو (فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ) فالأرض الكروية بفضائلها في دورتها حول نفسها في مواجهة شمسها ، تمر كل أفق ونقطة منها بضوء الشمس فتحيا بالنهار ، ثم يسلخ منها وإلى نقاط وآفاق أخرى (فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ) : داخلون في الظلام.
تعبير يصور الحقيقة الدائبة المتواترة الكونية بأدق تصوير ، فليس النهار لابس الليل حيث الأصل في الأثير ، الجوّ الظلام ، ثم يلبس النور النهار ، وبانتقالة الشمس عن كل أفق يسلخ النهار عن الجو فيرجع ليلا كما كان.
وما ألطفه تعبيرا (نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) والسلخ هو إخراج الشيء مما لابسه والتحم به ، فكلّ من الليل والنهار متصل بصاحبه اتصال الملابس بأبدانها ، لا ـ بل الجلود بحيوانها ، ففي تخليص أحدهما من الآخر لحد لا يبقى منه شيء ، آية باهرة للمبدء والمعاد ، أن الله تعالى يسلخ لباس الحياة عن هذا البدن فيبقى ميتا لا حياة فيه ، ثم يرجعه حيا كأنه لم يمت قط!