فسلخ النهار من الليل ثم رجعه إليه ثم سلخ ورجع ، آية ذات بعدين للحياة بعد الموت ، أن الموت اصيل تعرضه الحياة (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ) وإن عارضة الحياة متواترة متلاحقة متلاصقة.
فكما أن في الحياة الدنيا ـ مكانا وزمانا ـ لبس للحياة وخلع ، كذلك الموت خلع للروح عن هذا البدن ثم لبسه للحياة الأخرى ، طالما الحياة العارضية العادية هنا تصبح أصيلة دائبة هناك في الأخرى.
وكما أن في إحياء الأرض بعد موتها إخراج لحبّها وثمرها فمنه يأكلون كذلك في لبس الليل بالنهار وتكوير النهار على الليل حركات للحياة ، فهما إذا آيتان للمبدء والمعاد نعيشهما في كل مكان وزمان.
فليس سلخ النهار الضوء من الليل إلّا بانسلاخ الشمس غاربة في آفاقها ، فإنها تجري لمستقر لها ، فإن الظلمة عرض قائم بالأثير لزام ، والنور عرض يعرض ذلك العرض بمعروضه ، والنور تموّج ، وإذا كثرت الموجات النورية في الثانية الواحدة آلاف الملايين تصبح ضوء أحمر وأصفر وبرتقاليا وبنفسجيا إلى سائر الألوان السبعة ، فإذا تعددت في الثانية الواحدة زهاء (٧٠٠) مليون تصبح ضوء النهار المرسل من الشمس وهو لباس على الظلمة العارضة على الجو ، فإذا غربت الشمس سلخ النهار من الليل (فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ) : جوهر مظلم ألبس نورا ، فإذا سلخ منه النور رجع كما كان مظلما.
ندرس على ضوء هذا السلخ ، وذلك الإحياء للأرض ، أصالة الموت وعارضية الحياة المتواترة على الميتات ، الأرض الميتة تحيى للإثمار ، والليل المظلم يضاء لمنافع منها الإثمار ، وكما الحياة الدنيا للإثمار كذلك الأخرى وبأحرى (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى. وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى. ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى).