ينسلون من الأصلاب والأرحام يوم الدنيا ، وانهم يوم الدنيا كانوا ينسلون إلى ربهم بربوبية الامتحان التكليف ، وفي الأخرى ينسلون الى ربوبية الجزاء دون تكليف ، وأين نسل من نسل ، يوم الوصل ويوم الفصل؟
(قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ)(٥٢).
الويل والعويل هناك ليس إلّا لمن كذب الرحمن والمرسلين ، وكذب بيوم الدين ، ولكنما المرقد يعمهم وجميع المكلفين ، وما أحسنه وأوضحه تعبيرا عن الحياة البرزخية بالمرقد ، ضلع متضلع بين مربع الاحتمالات في الحالة البرزخية (١) وهي الآية الوحيدة اليتيمة التي تحمل لها سمة المرقد ، والرقدة هي النومة مقابل اليقظة (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ) (١٨ : ١٨) فالمرقد هو الرقدة وزمانها ومكانها.
ولأن القرآن كتاب هدى وبيان ، فليس ينقل مقالة زائفة زائغة إلّا زيفها ، فهم ـ على كفرهم ـ مصدّقون في «مرقدنا» لا سيما وهم في نهاية البرزخ وبداية القيامة ، فليسوا ليكذبوا على الله وهم في يوم الله.
إنهم حينذاك (قالُوا يا وَيْلَنا) وقد كنا نكذب بيوم الدين وهذا يوم الدين (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) وقد كنا راقدين قبل بعثنا في برزخنا.
أترى كيف يعبر عن الحياة البرزخية بالمرقد وهم فيها أحياء يرزقون أو يعذبون؟ لأن الغالب لهم فيها الرقاد دون رزق فيه ولا عذاب ، فإنما اليقظة لهم بكرة وعشي (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) (١٩ : ٦٤) (وَحاقَ
__________________
(١). فبعد التأكد من الحياة البرزخية كنا بين محتملات اربع رابعها المرقد ، والثلاثة الأخرى هي اليقظة الدائمة والرقدة الدائمة وغلب اليقظة على الرقدة ، وعكسها وهي الرابعة.