المعفوة بأسبابه؟ فالجواب أن الجزاء هو العمل الذي يبقى مع الإنسان إلى يوم البقاء ، دون الحابط المعفو ، فالتائب عن الذنب كمن لا ذنب له ، كما الحابطة حسناته لا حسنات له!
ثم إنّ العمل أيّا كان فهو محدود بحدود ، فالجزاء الذي هو العمل كذلك محدود بحدود ، ومهما خرج الثواب عن حدود (ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) فانما هو بفضل الله ، فقولة القائلين بالعذاب لغير النهاية للخالدين المؤبدين فرية ظالمة هاتكة لساحة رب العالمين وارحم الراحمين ، ولقد بيناها في طيات آياتها كرارا ومدرارا.
(ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) في بعدية جانحة وجارحة ، فإنه في باطن ملكوته يوم الملكوت هو الجزاء ، فليس الجزاء العقاب يومئذ انتقاما ، بل هو ظهور ما كان خفيا في عالم الخفاء ويصبح حليا في عالم الظهور : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) وعلى حد المروي عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : (إنما هي أعمالكم ترد عليكم) فأهل العذاب : (يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) (٢٩ : ٥٤) وهم في الدنيا ، في غفلة عنها ، ثم ويحيط بهم وهم يحرقون بها! وأهل الثواب : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٣٢ : ١٧) ولا إخفاء إلّا لكائن حاله ، ولا خفاء في الدار الآخرة حيث ترى نفس كل جزاءه بالحسنى ، فإنما الخفاء هنا ، فالصورة الجلية للصالحات أتعاب وحرمانات ، ثم الصورة المخفية ثواب ورحمات (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) يحمله العمل بملكوته!.
لقد طويت الحوار حول يوم القرار في سرعة خاطفة عاطفة تلك المشاهد الثلاثة ببعض ، متخطية إلى حالات لكل من أصحاب الجنة واصحاب النار :