بعد ما يختم على أفواههم ، وشهادة كلّ بحسبه كما سجلت أصواتا في الألسن والسمع ، وصورا في سائر الأعضاء ، بما استنسخها الله : (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٤٥ : ٣٩).
وترى لماذا الختم على أفواههم حين استشهاد أعضائهم؟ لما قد يتطلبون «إني لا أجيز علي إلا شاهدا مني» (١) وما يكذّبون (٢)(يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ) (٥٨ : ١٨)
__________________
(١) الدر المنثور ٥ : ٢٦٧ ـ اخرج احمد ومسلم والنسائي وابن أبي الدنيا في التوبة واللفظ له وابن أبي حاتم وابن مردوية والبيهقي في الأسماء والصفات عن انس في قوله تعالى (الْيَوْمَ نَخْتِمُ ...) قال : كنا عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فضحك حتى بدت نواجذه قال أتدرون مم ضحكت؟ قلنا لا يا رسول الله قال من مخاطبة العبد ربه فيقول يا رب الم تجرني من الظلم فيقول بلى فيقول اني لا أجيز عليّ إلا شاهدا مني فيقول كفى بنفسك عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا فيختم على فيه ويقال لأركانه انطقي فتنطق بأعماله ثم يخلي بينه وبين الكلام فيقول بعد الكف وسحقا فعنكن كنت أناضل.
(٢) نور الثقلين ٤ : ٣٩١ ح ٧٥ ـ القمي عنه (عليه السلام) إذ جمع الله عز وجل الخلق يوم القيامة دفع الى كل انسان كتابه فينظرون فيه فينكرون انهم عملوا من ذلك شيئا فتشهد عليهم الملائكة فيقولون رب ملائكتك يشهدون لك ثم يحلفون أنهم لم يعملوا من ذلك شيئا وهو قول الله (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ ...) فإذا فعلوا ذلك ختم الله على ألسنتهم وتنطق جوارحهم بما كانوا يكسبون أقول علّها (عَلى أَفْواهِهِمْ) حيث الألسن من شهود الأعمال مهما كانت خارجة عن اختيارهم.
وفيه ح ٧٦ في كتاب الاحتجاج للطبرسي عن امير المؤمنين (عليه السلام) حديث طويل يقول فيه ... فكذبهم الله فيما انتحلوه من الإيمان بقوله : (انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) فيختم الله على أفواههم ويستنطق الايدي والأرجل والجلود فتشهد بكل معصية كانت منه ثم يرفع عن ألسنتهم الختم فيقولون لجلودهم (لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا ...).