يختم على أفواههم سدا عن الكذب يوم الصدق وتسديدا للشهادة الصدق ، ثم تفتح ف (قالُوا لِجُلُودِهِمْ ...) قولة متحسرة متغيظة بعد ما تمت الشهادة وغلب هنالك المبطلون ولات حين مناص إذ فات يوم خلاص!
فليست الأفواه كلها يومئذ مختومة ، ولا أفواه الكاذبين على أية حال ، بل في بعض الأحوال دون بعض لحكم قاضية ، وتكلّم الألسن كسائر الشهادات المسجلة في الأعضاء ليس هنالك باختيار.
ثم ترى لماذا (تُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ) (وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ) وشهادة الجوارح دون اللسان والسمع هي الأعمال المستنسخة فيها على سواء ، ثم الشهادة تعمها حتى المتكلمة منها في آية النور؟
علّه لأن «أيديهم» تشمل سائر أعمال الجوارح بما فيها السمع والألسنة المتكلمة بما سمعت أو تكلمت ، والأعين بما رأت ، والأيدي بما مدّت ، وتكلم كلّ على حسبه ، ثم الأرجل تشهد بما مشت أو تركت ولا كلام لها! إذا فقد جمعت الآية بين الجوارح العاملة كلها ، تكلما فيما يحويه ، وشهادة فيما لا يحويه!
أم ولأن الأفواه المختوم عليها أستبدل عنها بتكلم الأيدي ، شملت الألسن ام لم تشمل ، فإن كانوا لا يتكلمون بما عصوا ويكذبون ، فهذه أيديهم تتكلم بما كانوا يعملون ، دونما حاجة إلى كلامهم باختيار!
(وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ)(٦٩).
من حروب الدعاية التي شنّوها على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) معتمدين فيها على النسق القرآني المنقطع النظير ، قولتهم إن البشير النذير (شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) (٥٢ : ٢٠) (بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ