بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) (٢١ : ٥).
وما قولهم إنه شاعر إلّا كقولهم هو ساحر ، حيث الشعر يسخر العقول ويسحرها ، ويأتي بالكذب المزخرف بأوزان ساحرة ، فيخيّل إلى الناس صدقه ، أو يقضي على الصدق فيظن كذبه ، والشعر يفدي جمال المعنى وحقّه لجمال اللفظ والوزن ، ويفدي جمال الحقيقة بتجميل الوزن ، عامدا مختارا ، أو مضطرا محتارا.
ومجمل القول عن قول الشارع والشاعر ، أن الشارع يؤصّل المعنى على جمال اللفظ دونما نفاق فيهما فإنهما في تعبيره العبير على حدّ سواء وحتى في الإعجاز ، والشاعر يعاكسه بتأصيل الوزن والمعنى تبع ، وأحيانا ليس له معنى صالح او يهدم صرح الحقيقة.
ولقد كانوا على معرفة بما للشعر من زور وغرور على حبه الهيمان ، فردفوه في عساكر التّهم الزور ضد الرسالة القرآنية ، ويرد عليهم القرآن بواقعه النثر وإن كان لا يشبه شعرا ولا نثرا ، وبما ينفي عن رسوله :
(وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ) وإذا لم نعلّمه شعرا فما هو بشاعر ، لأنه أمّي لم يتعلم من غير الله شعرا وغير شعر ، ولم يعلّمه الله الشعر ، فليس ـ إذا ـ ليعلم شعرا لا إنشادا له (١) ولا نقلا رساليا أم ومطلق النقل.
أترى الجهل بشيء يعد في عداد مكارمه الرسالية ، شعرا وغير شعر؟ أجل وفي العلم المشوب الذي يجهّل ويريب الناس بالنسبة للرسالة الإلهية ، وكما وأن تلاوة كتاب وخطه بيمينه يريب المبطلين : وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ
__________________
(١) الدر المنثور ٥ : ٣٦٩ ـ اخرج ابو داود والطبراني والبيهقي عن ابن عمر وسمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : ما ابالي ما أتيت ان انا شربت ترياقا او تعلقت نميمة او قلت الشعر من قبل نفسي ، أقول وهذا لا ينافي عدم تعليمه مطلق الشعر حتى نقله وانما ذكر إنشاده كاظهر مصاديقه.