الأندلس وصقلية) ومصر والشام وبحر الروم والجزيرة والعراق وإيران الجنوبية والهند وإيران الوسطى والشمالية (مع أرمينيا وأذربيجان وبحر الخزر) ، ويختتم كلامه بوصف بلاد ما وراء النهر (٩). ويورد الإصطخرى عن كل قطر معلومات عن الحدود والمدن والمسافات وطرق المواصلات ويروى تفاصيل متفرقة عن الحاصلات والتجارة والصناعة وعن الأجناس. ومعظم التفاصيل تتعلق بالبلاد التى زارها ولكن قد يحدث أحيانا أن بكون للاوصاف الموجزة أهمية خاصة ، وقد لاحظ أمارى Amari مثلا أنه «يذكر القليل عن صقلية ولكن ما أورده جوهرى للغاية» (١٠) ؛ ويصدق هذا القول على ما ذكره عن جزيرة القلال بالبحر الأبيض المتوسط وهى ليست بعيدة عن سواحل فرانسا والمرجح أنها جزيرة فراكسينيتم Fraxinetum ، وقد احتلها العرب بين عامى ٨٨٩ و ٩٧٢ (١١). ومعلوماته عن الصقالبة رغم تناثرها وقلتها لا تخلو من بعض القيمة. ويمكن القول بأن المحاولة التى قام بها هركفى Harkavi لجمع شتات هذه المادة ومقارنتها ببعضها البعض ، وذلك قبل ظهور طبعة دى خويه ، قد عفى عليها الزمن ؛ وعلى النقيض من هذا لا تزال تتمتع ببعض الأهمية مقالة المستشرق التشيكى دفورجاك Dvorak (١٨٨٩) رغما من افتقارها إلى التحليل الضرورى. وقد وضعت رواية الإصطخرى عن الخزر أمام المؤرخين صعوبات جمة إذ أنه جمع فيها دون فائدة تذكر بين روايتين مختلفتين كما حاول أن يثبت ذلك العلامة الهنغارى كموشكو Kmoshko (١٩٢١) (١٢). غير أن هذه المشكلة قد حلت بعض الشىء عقب العثور على النص الأكمل لابن فضلان حيث اتضح أن القسم الخاص بالخزر الذى ينسبه ياقوت إلى ابن فضلان إنما هو فى الواقع للإصطخرى.
وكان لكتاب الاصطخرى تأثير كبير لم يقف عند حد الأدب العربى وحده ، فللكتاب عدد من الترجمات الفارسية ترتفع فى العادة إلى المسودة الأولى للكتاب مما دعا إلى ظهور الرأى القائل بأن الإصطخرى قد كتب فى الأصل باللغة الفارسية (١٣). ويمتد هذا التأثير من الناحية الزمنية إلى وقت طويل ، فعندما حصلت مكتبة شاهرخ فى القرن الخامس عشر على الأصل العربى للإصطخرى حفز ذلك حافظ آبرو إلى وضع مصنفه الجغرافى (١٤) ؛ أما الترجمة التركية للإصطخرى فترجع إلى عهد السلطان محمد الثالث فى حوالى عام ١٥٩٦ (١٥).
وأما فى الوسط العربى فقد أكمل عمل الإصطخرى معاصره الأصغر منه سنا أبو القاسم ابن حوقل الذى نعرف عنه إلى حد ما أكثر من سابقه. ومن اسمه يمكن أن ندرك أنه من مدينة نصيبين بالجزيرة ، كما يتضح من خلال ألفاظه أنه بدأ تجواله من بغداد فى رمضان عام ٣٣١ ه ـ مايو ٩٤٣ (١٦) متخذا التجارة مهنة له ، ولكنه ربما كان فى الحقيقة داعيا سياسيا. وقد انتظم تجواله أفريقيا الشمالية والأندلس ، وزار نابلى وبالبرمو وعرف عن كتب العراق وإيران وجزءا من الهند. وقد ظهر الاهتمام بالجغرافيا لديه مبكرا ، ومما حفزه إلى ذلك مقابلته للإصطخرى عام ٣٤٠ ه ـ ٩٥١ ـ ٩٥٢ التى يرويها فيما يلى :