وقوله تعالى (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ) (١) نلاحظ أن الفاء فى الآية الأولى (فكلوا) يدل على خطاب قبل الدخول ولكن الواو فى الآية الثانية (وكلوا) هى عطف على إقامتهم فهى تناسب الخطاب بعد أن دخلوا القرية وسكنوها ... ، كذلك يخاطب الله تعالى آدم عليهالسلام قبل أن يدخل الجنة فنلاحظ حرف الفاء مقرونا فى الخطاب يقول تعالى (قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ. وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا) (٢) فبعد خروج إبليس كان الخطاب لأبينا آدم عليهالسلام بالدخول إلى الجنة ولكن فى السورة القرآنية الأخرى بعد سكون الجنة نلاحظ الخطاب القرآنى بالواو يقول تعالى (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا) (٣) وهنا نجد أن مسألة الأكل مقرونة بالإقامة وليست متأخرة عنها ، فيكون الخطاب بالفاء أى فكلوا منها بعد دخولكم الجنة ... ، أى أن الفاء جاءت لخطاب قبل السكنى والواو للعطف بعد الاستقرار والسكن فى الجنة ، ومن ذلك نجد أن كل حرف كما أشرنا له معنى لغوى وإشارة عميقة تدل على معناه العميق ، كذلك عند خطاب من استمعوا إلى رسالة الإسلام نجد التصوير القرآنى مرة" فأعرض عنها" ومرة أخرى" ثم أعرض عنها" ونلاحظ هنا أن حرف الفاء يعطى معنى الإعراض بمجرد سماع الآيات ولكن فى الصورة الثانية فإن الإعراض جاء بعد استماع وتريث ثم كان بعد ذلك الإعراض والجحود ... ، وهناك الصور البلاغية الأخرى التى تحتاج منا التفكير والتدبر ، فمثلا الحياة الدنيا مقترنة فى التصوير القرآنى باللعب واللهو ، وكلمة القيم مقترنة دائما بالدين (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) (٤).
وكلمة القيوم مقترنة دائما بصفة الحياة" الحى" ... ، كذلك تقترن العداوة بالبغضاء نتيجة لا بدّ منها عند حدوث العداوة ... ، وهناك تناظر بين كلمتى الغدو والآصال
__________________
(١) سورة الأعراف الآية ١٦١.
(٢) سورة الأعراف الآيات من ١٨ ـ ١٩
(٣) سورة البقرة الآية ٣٥
(٤) سورة يوسف الآية ٤٠