والممعن في كلمة هذا المؤرخ البارع في فنّه ، الواقف على المختلف فيه والمتّفق عليه ، يرى حقيقة ما نحن بصدده من ثبوت هذه الفضيلة عند نقلة السير ، وتلقيهم إياها بالقبول حيث يقول بملء فيمه : «إنّ صيت صحّتها قد تجاوز عن أن يشك فيه أو تحوم حولها الشبهات».
وقد عرفت في غضون هذه الرسالة كثيراً ممّا يشبهه ، أو يربو عليه ، أويقاربه.
والرجل مع ذلك يصافق من تقدّمه على أنّها ممّا اختصّ بها أمير المؤمنين عليه السّلام ولا يشاركه فيها أيّ أحدٍ.
ولا ريب في ذلك ، غير أنّ أعداء آل البيت النبويّ افتعلوا حديث حكيم بن حزام فتاً في عَضُد هذه الفضيلة.
لكن المنقّبين من الفريقين لم يأبهوا به ، وبذلك تعرف قيمة ما هملج به القاضي روزبهان (١) من أنّ ذلك مشهور بين الشيعة ولم يصحّحه علماء التاريخ ، بل عند أهل التواريخ أنّ حكيم بن حزام ولد في الكعبة ولم يولد فيه غيره ... إلى آخره.
وستجد نصوص التاريخ بذلك ، وعرفت ردّ الحاكم النّيسابوري من حصر ولادة البيت بحكيم ، وذكر تواتر النقل بولادة أمير المؤمنين عليه السّلام فيه.
ومرّ أيضاً رواية أساطين أهل السنّة ، ولذلك ما يتلوه.
وإنّك تجد شيخ المؤرّخين الثبت الحجّة عند الفريقين أبا الحسن ، عليّ بن الحسين بن عليّ ، الهُذلي المسعوديّ ، المتوفى سنة (٣٣٣ ه) أو سنة (٣٤٥ ه) في (مروج الذهب) عند ذكر خلافة أمير المؤمنين عليه السّلام ، مثبتاً هذه الحقيقة ، جازماً بها من غير ترديد ، قال : «وكان مولده في الكعبة» (٢).
__________________
(١) تقدّمت ترجمته : ٣٩.
(٢) مروج الذهب ٢ : ٣٤٩.