وقد عرفت فيما تقدّم أنّ الرواية الأزرقي هذه لم تصحّ إسناداً ولا رجالاً على أقلّ تقدير.
* * *
تشكّل الروايات والنصوص المتقدّمة المصدر الرئيسي والمرجع الأساسي المهمّ لهذه المزعمة الواهية.
والقاسم المشترك بينها جميعاً هو الإرسال ، والشذوذ ، ومخالفة ما هو مشهور ، والنكارة ، والتحرف ، والتلاعب في بعض مصادرها ، وضعف بعش رواتها.
وعلّة واحدة من هذه العلل يسقط الاعتماد عليها ، ويوجب نبذها جانباً ، فكيف بها مجتمعة؟
وتبيّن من خلال البحث في تواريخ رواتها : أنّها ظهرت في القرن الثالث الهجري ، وأنّها ممّا تعمّد وضعه وتدرّج نحته في الأزمنة المتأخّرة ، وما أكثرها. يقول يحيى بن معين مشيراً إلى كثرتها : «كتبنا عن الكذّابين ، وسجّرنا به التنور ، وأخرجنا به خبزاً نضيجاً» (١).
والعجب أنّ اكثر هذه الأحاديث وجلّها قد وضعها «أهل الخير والزهد»!
قال يحيى بن سعيد القطّان : «لمنرَ الصالحين في شيء أكذبَ منهم الحديث».(٢)
وقال : «لم نرَ أهل الخير في شيء أكذب منهم في شيء أكذب منهم في الحديث»(٣)
وقال : «ما رأيت الكذب في أحدٍ أكثر منه فيمن ينسب إلى الخير والزهد» (٤).
__________________
(١) تاريخ بغداد ١٤ : ١٨٤ ، وسير أعلام النبلأ ١١ : ٨٣ عن تاريخ الابّار.
(٢) صحيح مسلم ١ : ١٧ ، وتاريخ بغداد ٢ : ٩٨.
(٣) صحيح مسلم ١ : ١٨.
(٤) اللآلي المصنوعة ... ، وفتح الملك العلي : ٩٢ ، وللتوسع راجع الغدير : ٢٧٥ ـ ٢٩٦.