أمّا التواصل والتعاطي بين البيت ووليده :
فإنّ الوليد لم ينل شرف المكان وحسب ، بل إنّ المكان تشرّف به ، لأنّه وُلِدَ في بيت الله الذي دنّسه الكفار والمشركون بأوثانهم وأصنامهم.
وُلِدَ وهو مديرٌ ظهره لها ، مكرّماً وجهه عن النظر إليها.
فكانت خيبة الأصنام البلهاء بميلاد القادم الجديد.
ففي خارج البيت العتيق كانت الإرادة الإلهيّة تهيّء للناس رسولاً كريماً يتحدّى عالم الأوثان.
وفي داخل البيت كانت الإرادة الإلهيّة قد هيّأت للمصطفى خليلاً أدار ظهره للأصنام منذ اللحظة الأُولى للولادة (١).
وهكذا كانت بعثة النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وولادة الوصيّ عليه السلام إيذاناً بتطهير البيت العتيق من الأصنام ، ونشر مبادئ التوحيد في اُمّ القرى وما حولها.
قال السيّد شهاب الدين محمود الآلوسي (ت ١٢٧٠ هـ) في (سرح الخريدة الغيبيّة في شرح القصيدة العينية) لعبد الباقي أفندي العمري (ص : ٧٥) عند قول الناظم مخاطباً أمير المؤمنين عليه السلام :
وأنتَ أنتَ الذي حطّت له قَدَم |
|
في موضعٍ يدَهُ الرحمنُ قَد وَضعا |
قيل : أحبّ عليه الصلاة والسلام ـ يعني علياً عليه السلام ـ أن يكافئ الكعبة حيث وُلِدَ في بطنها بوضع الصنم عن ظهرها.
فإنها ـ كما ورد في بعض الآثار ـ كانت تشتكي إلى الله تعالى عبادة الأصنام حولها وتقول : «أي ربّ حتى متى تُعبَد هذه الأصنام حولي؟» والله تعالى يعِدُها بتطهيرها من ذلك (٢).
__________________
(١) علي بن أبي طالب سلطة الحق (لعزيز السيّد جاسم) : ١٥.
(٢) الغدير (للأميني) ٦ : ٢٢ ـ ٢٣.