وقال عبد الفتّاح عبد المقصود :
أجل لقد واجه أبو طالب دُنياه فقيراً ، ومات عبد المطّلب عنه وهو بعدُ في نحو من السنّ لم يكن كدحه قد أفاء عليه من الخير ما يشتهيه ، ولم يورّثه أيضاً سيادة القوم لأنّه أوصى لآخَرَ من بنيه هو الزبير. فلئن أقبلت الدنيا على هذا الفقير فَحَبَتْهُ بمكرمة هي آية المكرمات ؛ فقد كان هذا من القدر غاية المرتجى عند ذي رجاء.
فإذا تمّ لأبي طالب الفقير المعسر بعضُ أمره في جوار كعبة الحرم ، فإنّ أمره هذا جليلٌ في عيون القوم ؛ لأنّه اكتسبَ أبلغَ شرف بأشرف جوار في أقدس دار ، فكيف لو تمّ له أمره ذاك بغير سابق ترتيب منه؟! ، بل بصدفة هي عند اُولئك الناس منّةٌ منْ الله وحظوةٌ أراد أن يشرّف بها ابن عبد المطلّب ، كما لم يشرّف بمثلها قبلَه أو بعدَه من الرجال كثير ولا قليل.
تلك ليلة فذّة في الليالي ، أضاء نجمها على الدنيا مرّةً ، ثمّ لم يقدر بعدها لضوئه أن يبزغ ثانيةً كمثل بزوغه ؛ لأنّ مثيلاتها لا تعود.
ولكن ضياءً أشدّ لمعاناً من نور النجم توهّجَ ، ثمّ سطعَ ، ثمّ فاضَ بنوره على الآفاق :
سيرة كوجه الشمس رفاقة الإشراق.
سيرة إن فاتها أن تنفرد وحدَها بالمبنى الساحر ، فقليلٌ سواها ضمّ ما كان لها من معنى قاهر ، بل أقلّ القليل ، بل الأندر منه.
ولو أنّك استطعت أن تتخلّل من شباك الزمن وتنفض خيوطها عنك ، وسبحت عائداً إلى الماضي ؛ لرأيت ابنة أسدٍ ـ فاطمة ـ تجول بالبيت الحرام تلتمس البركة ، لأنّها سيّدة تجمّعت فيها مزايا آلها الكرام ، وامتلأ ـ كمثلهم ـ قلبها طُهراً ، ثمّ لرأيتها تأتي الكعبة فتطوف بها مرّةً فمرّاتٍ متمسّحةً بأستارها