فلم يكن التنويهُ هذه المأثره الجليلة في القرن الثاني من مثل السيّد الحميريّ الذي كان يسيرُ بشعره الركبانُ ، إلّا بعد ما نالتْ من الشهرة والثبوت حظوةً وافيةً ، فإنّه في جهاده ونضاله مع أعداء أهل بيت الوحي بحجاجه المتواصل ، ونظمه البديع ، لم يكن بالذي يفضحُ نفسه ، ولا الذي كان يصبو إلى ولائهم بالتشبّث بالواهيات ، أو ما لا تعرفه الناس ، أو لا تعترف به.
فما كان يُصْحِرُ به يجبُ في شريعة المناظرة أن يكون حقيقةً ثابتةً لدى مناوئيه في الأنضواء إلى عترة الوحي وسُلالة النبوّة ، وهم السواد الأعظم يومذاك ، ملأوا الفضاء صخباً وطنيناً في الانحياز عن أولئك الأئمّة ، وكلانوا ينكرون ما يسعهم إنكاره من فضائلهم غير ما تضافر به النقلُ ، وتواترت الأسانيدٌ في نقله.
فلم يدع بقوّته لهم منتدَحاً لدحضه ، وما كانت الشيعة يومئذٍ تحتجّ عليهم إلّا بما هذا سبيله.
ولذلك إنّا نعدّ نظم السيّد الحميريّ هذا أثبت لمفاده من أسانيد متساندة.
وسيوافيك أنّ حديث الولادة هذا كان كما وصفناه في القرون الأُولى ، وإن لم يَعُد أن يكون كذلك فيما بعدها وإلى العصر الحاضر.
وممّن نظّم القصّة محمد بن منصور السّرخسي كما في (مناقب ابن شهر آشوب) وفي شرح نهج البلاغة الموسوم بـ (منهاج البراعة) للعلّامة الكبير الحاج ميرزا حبيب الخوئي ، قال :
ولدتْهُ منجبةٌ وكان وٍلادُها |
|
في جوف كعبة أفضل الأكنان (١) |
وسقاه ريقتَهُ النبيُّ ويالها |
|
من شربةٍ تُغني عن الألبانِ |
__________________
(١) الأكنان : جمع كِنّ وهو ما كنّ وستر من الحر والبرد. مجمع البحرين ـ كنن ـ ٦ : ٣٠٢.