(فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (١٣٧)
(فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا) من باب التعجيز والتبكيت ، كقوله تعالى : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) إذ لا مثل لما آمن به المسلمون ، ولا دين كدين الإسلام. وقيل : الباء للآلة دون التعدية ، والمعنى إن تحروا الإيمان بطريق يهدي إلى الحق مثل طريقكم ، فإن وحدة المقصد لا تأبى تعدد الطرق ، أو مزيدة للتأكيد كقوله تعالى : (جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها). والمعنى فإن آمنوا بالله إيمانا مثل إيمانكم به ، أو المثل مقحم كما في قوله : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ) أي عليه ، ويشهد له قراءة من قرأ بما آمنتم به أو بالذي آمنتم به (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ) أي إن أعرضوا عن الإيمان ، أو عما تقولون لهم فما هم إلا في شقاق الحق ، وهو المناوأة والمخالفة ، فإن كل واحد من المتخالفين في شق غير شق الآخر (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ) تسلية وتسكين للمؤمنين ، ووعد لهم بالحفظ والنصرة على من ناوأهم (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) إما من تمام الوعد ، بمعنى أنه يسمع أقوالكم ويعلم إخلاصكم وهو مجازيكم لا محالة ، أو وعيد للمعرضين ، بمعنى أنه يسمع ما يبدون ويعلم ما يخفون وهو معاقبهم عليه.
(صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ)(١٣٨)
(صِبْغَةَ اللهِ) أي صبغنا الله صبغته ، وهي فطرة الله تعالى التي فطر الناس عليها ، فإنها حلية الإنسان كما أن الصبغة حلية المصبوغ ، أو هدانا الله هدايته وأرشدنا حجته ، أو طهر قلوبنا بالإيمان تطهيره ، وسماه صبغة لأنه ظهر أثره عليهم ظهور الصبغ على المصبوغ ، وتداخل في قلوبهم تداخل الصبغ الثوب ، أو للمشاكلة ، فإن النصارى كانوا يغسمون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية ويقولون : هو تطهير لهم وبه تتحقق نصرانيتهم ، ونصبها على أنه مصدر مؤكد لقوله (آمَنَّا) ، وقيل على الإغراء ، وقيل على البدل من ملة إبراهيم عليهالسلام.
(وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) لا صبغة أحسن من صبغته (وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ) تعريض بهم ، أي لا نشرك به كشرككم. وهو عطف على آمنا ، وذلك يقتضي دخول قوله (صِبْغَةَ اللهِ) في مفعول (قُولُوا) ولمن ينصبها على الإغراء ، أو البدل أن يضمر قولوا معطوفا على الزموا ، أو اتبعوا ملة إبراهيم و (قُولُوا آمَنَّا) بدل اتبعوا ، حتى لا يلزم فك النظم وسوء الترتيب.
(قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ)(١٣٩)
(قُلْ أَتُحَاجُّونَنا) أتجادلوننا. (فِي اللهِ) في شأنه واصطفائه نبيا من العرب دونكم ، روي أن أهل الكتاب قالوا : الأنبياء كلهم منا ، لو كنت نبيا لكنت منا. فنزلت : (وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ) لا اختصاص له بقوم دون قوم ، يصيب برحمته من يشاء من عباده. (وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) فلا يبعد أن يكرمنا بأعمالنا ، كأنه ألزمهم على كل مذهب ينتحلونه إفحاما وتبكيتا ، فإن كرامة النبوة إما تفضل من الله على من يشاء والكل فيه سواء ، وإما إفاضة حق على المستعدين لها بالمواظبة على الطاعة والتحلي بالإخلاص. وكما أن لكم أعمالا ربما يعتبرها الله في إعطائها ، فلنا أيضا أعمال. (وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ) موحدون نخصه بالإيمان والطاعة دونكم.
(أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)(١٤٠)