(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ) الضمير للناس ، وعدل بالخطاب عنهم للنداء على ضلالهم ، كأنه التفت إلى العقلاء وقال لهم : انظروا إلى هؤلاء الحمقي ماذا يجيبون. (قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا) ما وجدناهم عليه نزلت في المشركين أمروا باتباع القرآن وسائر ما أنزل الله من الحجج والآيات ، فجنحوا إلى التقليد. وقيل في طائفة من اليهود دعاهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى الإسلام ، فقالوا : بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا لأنهم كانوا خير منا وأعلم. وعلى هذا فيعم ما أنزل الله التوراة لأنها أيضا تدعو إلى الإسلام. (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) الواو للحال ، أو العطف. والهمزة للرد والتعجيب. وجواب (لَوْ) محذوف أي لو كان آباؤهم جهلة لا يتفكرون في أمر الدين ، ولا يهتدون إلى الحق لاتبعوهم. وهو دليل على المنع من التقليد لمن قدر على النظر والاجتهاد. وأما اتباع الغير في الدين إذا علم بدليل ما أنه محق كالأنبياء والمجتهدين في الأحكام ، فهو في الحقيقة ليس بتقليد بل اتباع لما أنزل الله.
(وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ)(١٧١)
(وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً) على حذف مضاف تقديره : ومثل داعي الذين كفروا كمثل الذي ينعق ، أو مثل الذين كفروا كمثل بهائم الذي ينعق. والمعنى أن الكفرة لانهماكهم في التقليد لا يلقون أذهانهم إلى ما يتلى عليهم ، ولا يتأملون فيما يقرر معهم ، فهم في ذلك كالبهائم التي ينعق عليها فتسمع الصوت ولا تعرف مغزاه ، وتحس بالنداء ولا تفهم معناه. وقيل هو تمثيلهم في اتباع آبائهم على ظاهر حالهم جاهلين بحقيقتها ، بالبهائم التي تسمع الصوت ولا تفهم ما تحته. أو تمثيلهم في دعائهم الأصنام ، بالناعق في نعقه وهو التصويت على البهائم ، وهذا يغني الإضمار ولكن لا يساعده قوله إلا دعاء ونداء ، لأن الأصنام لا تسمع إلا أن يجعل ذلك من باب التمثيل المركب.
(صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) رفع على الذم. (فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) أي بالفعل للإخلال بالنظر.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)(١٧٢)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) لما وسع الأمر على الناس كافة وأباح لهم ما في الأرض سوى ما حرم عليهم ، أمر المؤمنين منهم أن يتحروا طيبات ما رزقوا ويقوموا بحقوقها فقال : (وَاشْكُرُوا لِلَّهِ) على ما رزقكم وأحل لكم. (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) إن صح أنكم تخصونه بالعبادة ، وتقرون أنه مولى النعم ، فإن عبادته تعالى لا تتم إلا بالشكر. فالمعلق بفعل العبادة هو الأمر بالشكر لإتمامه ، وهو عدم عند عدمه. وعن النبي صلىاللهعليهوسلم «يقول الله تعالى : إني والإنس والجن في نبأ عظيم ، أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويشكر غيري».
(إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(١٧٣)
(إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ) أكلها ، أو الانتفاع بها. وهي التي ماتت من غير ذكاة. والحديث ألحق بها ما أبين من حي. والسمك والجراد أخرجهما العرف عنها ، أو استثناه الشرع. والحرمة المضافة إلى العين تفيد عرفا حرمة التصرف فيها مطلقا إلا ما خصه الدليل ، كالتصرف في المدبوغ. (وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ) إنما خص اللحم بالذكر ، لأنه معظم ما يؤكل من الحيوان وسائر أجزائه كالتابع له. (وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ) أي رفع به