والذكر بالأنثى. فلما جاء الإسلام تحاكموا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزلت ، وأمرهم أن يتباوءوا. ولا تدل على أن لا يقتل الحر بالعبد والذكر بالأنثى ، كما لا تدل على عكسه ، فإن المفهوم حيث لم يظهر للتخصيص غرض سوى اختصاص الحكم وقد بيّنا ما كان الغرض وإنما منع مالك والشافعي رضي الله تعالى عنهما. قتل الحر بالعبد سواء كان عبده أو عبد غيره ، لما روي عن علي رضي الله تعالى عنه : أن رجلا قتل عبده فجلده الرسولصلىاللهعليهوسلم ونفاه سنة ولم يقده به. وروي عنه أنه قال : من السنة أن لا يقتل مسلم بذي عهد ولا حر بعبد ولأن أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما ، كانا لا يقتلان الحر بالعبد بين أظهر الصحابة من غير نكير. وللقياس على الأطراف ، ومن سلم دلالته فليس له دعوى نسخه بقوله تعالى : (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) لأنه حكاية ما في التوراة فلا ينسخ ما في القرآن. واحتجت الحنفية به على أن مقتضى العمد القود وحده ، وهو ضعيف إذ الواجب على التخيير يصدق عليه أنه وجب وكتب ، ولذلك قيل التخيير بين الواجب وغيره ليس نسخا لوجوبه. وقرئ «كتب» على البناء للفاعل و«القصاص» بالنصب ، وكذلك كل فعل جاء في القرآن. (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) أي شيء من العفو ، لأن عفا لازم. وفائدته الإشعار بأن بعض العفو كالعفو التام في إسقاط القصاص. وقيل عفا بمعنى ترك ، وشيء مفعول به وهو ضعيف ، إذ لم يثبت عفا الشيء بمعنى تركه بل أعفاه. وعفا يعدى بعن إلى الجاني وإلى الذنب ، قال الله تعالى (عَفَا اللهُ عَنْكَ) وقال (عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ). فإذا عدي به إلى الذنب عدي إلى الجاني باللام وعليه ما في الآية كأنه قيل : فمن عفي له عن جنايته من جهة ، أخيه ، يعني ولي الدم. وذكره بلفظ الإخوة الثابتة بينهما من الجنسية والإسلام ليرق له ويعطف عليه. (فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ) أي فليكن اتباع ، أو فالأمر اتباع. والمراد به وصية العافي بأن يطلب الدية بالمعروف فلا يعنف ، والمعفو عنه بأن يؤديها بالإحسان : وهو أن لا يمطل ولا يبخس. وفيه دليل على أن الدية أحد مقتضى العمد ، وإلا لما رتب الأمر بأدائها على مطلق العفو. وللشافعي رضي الله تعالى عنه في المسألة قولان. (ذلِكَ) أي الحكم المذكور في العفو والدية. (تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) لما فيه من التسهيل والنفع ، قيل كتب على اليهود القصاص وحده ، وعلى النصارى العفو مطلقا. وخيرت هذه الأمة بينهما وبين الدية تيسيرا عليهم وتقديرا للحكم على حسب مراتبهم. (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ) أي قتل بعد العفو وأخذ الدية. (فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) في الآخرة. وقيل في الدنيا بأن يقتل لا محالة لقوله عليهالسلام «لا أعافي أحدا قتل بعد أخذه الدية».
(وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(١٧٩)
(وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) كلام في غاية الفصاحة والبلاغة من حيث جعل الشيء محل ضده ، وعرف القصاص ونكر الحياة ، ليدل على أن في هذا الجنس من الحكم نوعا من الحياة عظيما ، وذلك لأن العلم به يردع القاتل عن القتل ، فيكون سبب حياة نفسين. ولأنهم كانوا يقتلون غير القاتل ، والجماعة بالواحد ، فتثور الفتنة بينهم. فإذا اقتص من القاتل سلم الباقون فيكون ذلك سببا لحياتهم. وعلى الأول فيه إضمار وعلى الثاني تخصيص. وقيل : المراد بها الحياة الأخروية ، فإن القاتل إذا اقتص منه في الدنيا لم يؤاخذ به في الآخرة. (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ) يحتمل أن يكونا خيرين لحياة وأن يكون أحدهما خبرا والآخر صلة له ، أو حالا من الضمير المستكن فيه. وقرئ في «القصص» أي فيما قص عليكم من حكم القتل حياة ، أو في القرآن حياة للقلوب. (يا أُولِي الْأَلْبابِ) ذوي العقول الكاملة. ناداهم للتأمل في حكمة القصاص من استبقاء الأرواح وحفظ النفوس. (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) في المحافظة على القصاص والحكم به والإذعان له ، أو عن القصاص فتكفوا عن القتل.
(كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى