أن الإفاضة من عرفة شرع قديم فلا تغيروه. (وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ) من جاهليتكم في تغيير المناسك ونحوه. (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يغفر ذنب المستغفر وينعم عليه.
(فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ)(٢٠٠)
(فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ) فإذا قضيتم العبادات الحجية وفرغتم منها. (فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ) فأكثروا ذكره وبالغوا فيه كما تفعلون بذكر آبائكم في المفاخرة. وكانت العرب إذا قضوا مناسكهم وقفوا بمنى بين المسجد والجبل فيذكرون مفاخر آبائهم ومحاسن أيامهم. (أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) إما مجرور معطوف على الذكر يجعل الذكر ذاكرا على المجاز والمعنى : فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو كذكر أشد منه وأبلغ. أو على ما أضيف إليه على ضعف بمعنى أو كذكر قوم أشد منكم ذكرا. وإما منصوب بالعطف على آباءكم وذكرا من فعل المذكور بمعنى أو كذكركم أشد مذكورية من آباءكم. أم بمضمر دل عليه المعنى تقديره : أو كونوا أشد ذكرا لله منكم لآبائكم. (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ) تفصيل للذاكرين إلى مقل لا يطلب بذكر الله تعالى إلا الدنيا ومكثر يطلب به خير الدارين ، والمراد الحث على الإكثار والإرشاد إليه. (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا) اجعل إيتاءنا ومنحتنا في الدنيا (وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) أي نصيب وحظ لأن همه مقصور بالدنيا ، أو من طلب خلاق.
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (٢٠١) أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ)(٢٠٢)
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) يعني الصحة والكفاف وتوفيق الخير. (وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً) يعني الثواب والرحمة. (وَقِنا عَذابَ النَّارِ) بالعفو والمغفرة ، وقول علي رضي الله تعالى عنه : الحسنة في الدنيا المرأة الصالحة ، وفي الآخرة الحوراء. وعذاب النار المرأة السوء وقول الحسن : الحسنة في الدنيا العلم والعبادة ، وفي الآخرة الجنة. وقنا عذاب النار معناه احفظنا من الشهوات والذنوب والمؤدية إلى النار أمثلة للمراد بها.
(أُولئِكَ) إشارة إلى الفريق الثاني. وقيل إليهما. (لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا) أي من جنسه وهو جزاؤه ، أو من أجله كقوله تعالى : (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا) أو مما دعوا به نعطيهم منه ما قدرناه فسمي الدعاء كسبا لأنه من الأعمال. (وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) يحاسب العباد على كثرتهم وكثرة أعمالهم في مقدار لمحة ، أو يوشك أن يقيم القيامة ويحاسب الناس فبادروا إلى الطاعات واكتسبوا الحسنات.
(وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)(٢٠٣)
(وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ) كبروه في أدبار الصلاة وعند ذبح القرابين ورمي الجمار وغيرها في أيام التشريق. (فَمَنْ تَعَجَّلَ) فمن استعجل النفر. (فِي يَوْمَيْنِ) يوم القر والذي بعده ، أي فمن نفر في ثاني أيام التشريق بعد رمي الجمار عندنا ، وقبل طلوع الفجر عند أبي حنيفة. (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) باستعجاله. (وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) ومن تأخر في النفر حتى رمى في اليوم الثالث بعد الزوال ، وقال أبو حنيفة : يجوز تقديم رميه على الزوال. ومعنى نفي الإثم بالتعجيل والتأخير التخيير بينهما والرد على أهل الجاهلية فإن منهم من أثم المتعجل ومنهم من أثم المتأخر. (لِمَنِ اتَّقى) أي الذي ذكر من التخيير ، أو من الأحكام لمن اتقى لأنه