للفصل. (أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ) لأن ينزل ، أي حسدوه على أن ينزل الله. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وسهل ويعقوب بالتخفيف. (مِنْ فَضْلِهِ) يعني الوحي. (عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) على من اختاره للرسالة (فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ) للكفر والحسد على من هو أفضل الخلق. وقيل : لكفرهم بمحمد صلىاللهعليهوسلم بعد عيسى عليهالسلام ، أو بعد قولهم عزير ابن الله (وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ) يراد به إذلالهم ، بخلاف عذاب العاصي فإنه طهرة لذنوبه.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(٩١)
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ) يعم الكتب المنزلة بأسرها. (قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا) أي بالتوراة (وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ) حال من الضمير في قالوا ، ووراء في الأصل جعل ظرفا ، ويضاف إلى الفاعل فيراد به ما يتوارى به وهو خلفه ، وإلى المفعول فيراد به ما يواريه وهو قدامه ، ولذلك عد من الأضداد. (وَهُوَ الْحَقُ) الضمير لما وراءه ، والمراد به القرآن (مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ) حال مؤكدة تتضمن رد مقالهم ، فإنهم لما كفروا بما يوافق التوراة فقد كفروا بها (قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) اعتراض عليهم بقتل الأنبياء مع ادعاء الإيمان بالتوراة والتوراة لا تسوغه ، وإنما أسنده إليهم لأنه فعل آبائهم ، وأنهم راضون به عازمون عليه. وقرأ نافع وحده (أَنْبِياءَ اللهِ) مهموزا في جميع القرآن.
(وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ)(٩٢)
(وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ) يعني الآيات التسع المذكورة في قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ)(ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ) أي إلها (مِنْ بَعْدِهِ) من بعد مجيء موسى ، أو ذهابه إلى الطور (وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ) حال ، بمعنى اتخذتم العجل ظالمين بعبادته ، أو بالإخلال بآيات الله تعالى ، أو اعتراض بمعنى وأنتم قوم عادتكم الظلم. ومساق الآية أيضا لإبطال قولهم (نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا) والتنبيه على أن طريقتهم مع الرسول طريقة أسلافهم مع موسى عليهما الصلاة والسلام ، لا لتكرير القصة وكذا ما بعدها.
(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(٩٣)
(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا) أي قلنا لهم : خذوا ما أمرتم به في التوراة بجد واسمعوا سماع طاعة. (قالُوا سَمِعْنا) قولك (وَعَصَيْنا) أمرك (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) تداخلهم حبه ورسخ في قلوبهم صورته ، لفرط شغفهم به ، كما يتداخل الصبغ الثوب ، والشراب أعماق البدن. وفي قلوبهم : بيان لمكان الإشراب كقوله تعالى : (إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً)(بِكُفْرِهِمْ) بسبب كفرهم وذلك لأنهم كانوا مجسمة ، أو حلولية ولم يروا جسما أعجب منه ، فتمكن في قلوبهم ما سول لهم السامري (قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ) أي بالتوراة ، والمخصوص بالذم محذوف نحو هذا الأمر ، أو ما يعمه وغيره من قبائحهم المعدودة في الآيات الثلاث إلزاما عليهم (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) تقرير للقدح. في دعواهم الإيمان بالتوراة ، وتقديره إن كنتم مؤمنين بها لم يأمركم بهذه القبائح ولا يرخص لكم فيها إيمانكم بها ، أو إن كنتم مؤمنين بها فبئسما يأمركم به إيمانكم بها ، لأن المؤمن ينبغي أن لا يتعاطى إلا ما يقتضيه إيمانه ، لكن الإيمان بها لا يأمر به ، فإذا لستم بمؤمنين.