(فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (١٥٩) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (١٦٠)
____________________________________
يمات (لَإِلَى اللهِ) أى إلى المعبود بالحق العظيم الشأن الواسع الرحمة الجزيل الإحسان (تُحْشَرُونَ) لا إلى غيره فيوفيكم أجوركم ويجزل لكم عطاءكم والكلام فى لامى الجملة كما مر فى أختها (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ) تلوين للخطاب وتوجيه له إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم والفاء لترتيب مضمون الكلام على ما ينبئ عنه السياق من استحقاقهم اللائمة والتعنيف بموجب الجبلة البشرية أو من سعة ساحة مغفرته تعالى ورحمته والباء متعلقة بلنت قدمت عليه للقصر وما مزيدة للتوكيد أو نكرة ورحمة بدل منها مبين لإبهامها والتنوين للتفخيم ومن متعلقة بمحذوف وقع صفة لرحمة أى فبرحمة عظيمة لهم كائنة من الله تعالى وهى ربطه على جأشه وتخصيصه بمكارم الأخلاق كنت لين الجانب لهم وعاملتهم بالرفق والتلطف بهم حيث اغتممت لهم بعد ما كان منهم ما كان من مخالفة أمرك وإسلامك للعدو (وَلَوْ) لم تكن كذلك بل (كُنْتَ فَظًّا) جافيا فى المعاشرة قولا وفعلا وقال الراغب الفظ هو الكريه الخلق وقال الواحدى هو الغليظ الجانب السىء الخلق (غَلِيظَ الْقَلْبِ) قاسيه وقال الكلبى فظا فى القول غليظ القلب فى الفعل (لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) لتفرقوا من عندك ولم يسكنوا إليك وتردوا فى مهاوى الردى والفاء فى قوله عزوجل (فَاعْفُ عَنْهُمْ) لترتيب العفو أو الأمر به على ما قبله أى إذا كان الأمر كما ذكر فاعف عنهم فيما يتعلق بحقوقك كما عفا الله عنهم (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) الله فيما يتعلق بحقوقه تعالى إتماما للشفقة عليهم وإكمالا للبربهم (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) أى فى أمر الحرب إذ هو المعهود أو فيه وفى أمثاله مما تجرى فيه المشاورة عادة استظهارا بآرائهم وتطييبا لقلوبهم وتمهيدا لسنة المشاورة للأمة وقرىء وشاورهم فى بعض الأمر (فَإِذا عَزَمْتَ) أى عقيب المشاورة على شىء واطمأنت به نفسك (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) فى إمضاء أمرك على ما هو أرشد لك وأصلح فإن علمه مختص به سبحانه وتعالى وقرىء فإذا عزمت على صيغة التكلم أى عزمت لك على شىء وأرشدتك إليه فتوكل على ولا تشاور بعد ذلك أحدا والالتفات لتربية المهابة وتعليل التوكل أو الأمر به فإن عنوان الألوهية الجامعة لجميع صفات الكمال مستدع للتوكل عليه تعالى أو الأمر به (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) عليه تعالى فينصرهم ويرشدهم إلى ما فيه خير لهم وصلاح والجملة تعليل للتوكل عليه تعالى وقوله تعالى (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ) جملة مستأنفة سيقت بطريق تلوين الخطاب تشريفا للمؤمنين لإيجاب توكلهم عليه تعالى وحثهم على اللجأ إليه وتحذيرهم عما يفضى إلى خذلانه أى إن ينصركم كما نصركم يوم بدر فلا أحد يغلبكم على طريق نفى الجنس المنتظم لنفى جميع أفراد الغالب ذاتا وصفة ولو قيل فلا يغلبكم أحد لدل على نفى الصفة فقط ثم المفهوم من ظاهر النظم