(وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (١٦١)
____________________________________
الكريم وإن كان نفى مغلوبيتهم من غير تعرض لنفى المساواة أيضا وهو الذى يقتضيه المقام لكن المفهوم منه فهما قطعيا هو نفى المساواة وإثبات الغالبية للمخاطبين فإذا قلت لا أكرم من فلان أو لا أفضل منه فالمفهوم منه حتما أنه أكرم من كل كريم وأفضل من كل فاضل وهذا أمر مطرد فى جميع اللغات ولا اختصاص له بالنفى الصريح بل هو مطرد فيما ورد على طريق الاستفهام الإنكارى كما فى قوله تعالى (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) فى مواقع كثيرة من التنزيل ومما هو نص قاطع فيما ذكرنا ما وقع فى سورة هود حيث قيل بعده فى حقهم لا جرم أنهم فى الآخرة هم الأخسرون فإن كونهم أخسر من كل خاسر يستدعى قطعا كونهم أظلم من كل ظالم (وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ) كما فعل يوم أحد وقرىء يخذلكم من أخذله إذا جعله مخذولا (فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ) استفهام إنكارى مفيد لانتفاء الناصر ذاتا وصفة بطريق المبالغة (مِنْ بَعْدِهِ) أى من بعد خذلانه تعالى أو من بعد الله تعالى على معنى إذا جاوزتموه (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) تقديم الجار والمجرور على الفعل لإفادة قصره عليه تعالى والفاء لترتيبه أو ترتيب الأمر به على ما مر من غلبة المخاطبين على تقدير نصرته تعالى لهم ومغلوبيتهم على تقدير خذلانه تعالى إياهم فإن العلم بذلك مما يقتضى قصر التوكل عليه تعالى لا محالة والمراد بالمؤمنين إما الجنس والمخاطبون داخلون فيه دخولا أوليا وإما هم خاصة بطريق الالتفات وأيا ما كان ففيه تشريف لهم بعنوان الإيمان اشتراكا أو استقلالا وتعليل لتحتم التوكل عليه تعالى فإن وصف الإيمان مما يوجبه قطعا (وَما كانَ لِنَبِيٍّ) أى وما صح لنبى من الأنبياء ولا استقام له (أَنْ يَغُلَّ) أى يخون فى المغنم فإن النبوة تنافيه منافاة بينة يقال غل شيئا من المغنم يغل غلولا وأغل إغلالا إذا أخذه خفية والمراد إما تنزيه ساحة رسول الله صلىاللهعليهوسلم عما ظن به الرماة يوم أحد حين تركوا المركز وأفاضوا فى الغنيمة وقالوا نخشى أن يقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم من أخذ شيئا فهو له ولا يقسم الغنائم كما لم يقسمها يوم بدر فقال لهم النبى صلىاللهعليهوسلم ألم أعهد إليكم أن لا تتركوا المركز حتى يأتيكم أمرى فقالوا تركنا بقية إخواننا وقوفا فقال عليهالسلام بل ظنتم أنا نغل ولا نقسم بينكم وإما المبالغة فى النهى لرسول الله صلىاللهعليهوسلم على ما روى أنه بعث طلائع فغنم النبى صلىاللهعليهوسلم بعدهم غنائم فقسمها بين الحاضر ولم يترك للطلائع شيئا فنزلت. والمعنى ما كان لنبى أن يعطى قوما من العسكر ويمنع آخرين بل عليه أن يقسم بين الكل بالسوية وعبر عن حرمان بعض الغزاة بالغلول تغليظا وأما ما قيل من أن المراد تنزيهه عليهالسلام عما تفوه به بعض المنافقين إذ روى أن قطيفة حمراء فقدت يوم بدر فقال بعض المنافقين لعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم أخذها فبعيد جدا وقرىء على البناء للمفعول والمعنى ما كان له أن يوجد غالا أو ينسب إلى الغلول (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ) يأت بالذى غله بعينه بحمله على عنقه كما ورد فى الحديث الشريف وروى أنه عليهالسلام قال ألا لا أعرفن أحدكم يأتى ببعير له رغاء وببقرة لها خوار وبشاة لها ثغاء فينادى يا محمد يا محمد فأقول لا أملك لك من الله شيئا فقد بلغتك أو يأت