(أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦٢) هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (١٦٣) لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (١٦٤)
____________________________________
بما احتمل من إثمه ووباله (ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ) أى تعطى وافيا جزاء ما كسبت خيرا أو شرا كثيرا أو يسيرا ووضع المكسوب موضع جزائه تحقيقا للعدل ببيان ما بينهما من تمام التناسب كما وكيفا كأنهما شىء واحد وفى إسناد التوفية إلى كل كاسب وتعليقها بكل مكسوب مع أن المقصود بيان حال الغال عند إتيانه بما غله يوم القيامة من الدلالة على فخامة شأن اليوم وهول مطلعه والمبالغة فى بيان فظاعة حال الغال ما لا يخفى فإنه حيث وفى كل كاسب جزاء ما كسبه ولم ينقص منه شىء وإن كان جرمه فى غاية القلة والحقارة فلأن لا ينقص من جزاء الغال شىء وجرمه من أعظم الجرائم وأظهر وأجلى (وَهُمْ) أى كل الناس المدلول عليهم بكل نفس (لا يُظْلَمُونَ) بزيادة عقاب أو بنقص ثواب (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ) أى سعى فى تحصيله وانتحى نحوه حيثما كان بفعل الطاعات وترك المنكرات كالنبى ومن يسير بسيرته (كَمَنْ باءَ) أى رجع (بِسَخَطٍ) عظيم لا يقادر قدره كائن (مِنَ اللهِ) تعالى بسبب معاصيه كالغال ومن يدين بدينه والمراد تأكيد نفى الغلول عن النبى عليه الصلاة والسلام وتقريره بتحقيق المباينة الكلية بينه وبين الغال حيث وصف كل منهما بنقيض ما وصف به الآخر فقوبل رضوانه تعالى بسخطه والاتباع بالبوء والجمع بين الهمزة والفاء لتوجيه الإنكار إلى ترتب توهم المماثلة بينهما والحكم بها على ما ذكر من حال الغال كأنه قيل أبعد ظهور حاله يكون من ترقى إلى أعلى عليين كمن تردى إلى أسفل سافلين وإظهار الاسم الجليل فى موضع الإضمار لإدخال الروعة وتربية المهابة (وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ) إما كلام مستأنف مسوق لبيان مآل أمر من باء بسخطه تعالى وإما معطوف على قوله تعالى (باءَ بِسَخَطٍ) عطف الصلة الاسمية على الفعلية وأيا ما كان فلا محل له من الإعراب (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) اعتراض تذييلى والمخصوص بالذم محذوف أى وبئس المصير جهنم والفرق بينه وبين المرجع أن الأول يعتبر فيه الرجوع على خلاف الحالة الأولى بخلاف الثانى (هُمْ) راجع إلى الموصولين باعتبار المعنى (دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ) أى طبقات متفاوتة فى علمه تعالى وحكمه شبهوا فى تفاوت الأحوال وتباينها بالدرجات مبالغة وإيذانا بأن بينهم تفاوتا ذاتيا كالدرجات أو ذو ودرجات (وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ) من الأعمال ودرجاتها فيجازيهم بحسبها (لَقَدْ مَنَّ اللهُ) جواب قسم محذوف أى والله لقد من أى أنعم (عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) أى من قومه عليهالسلام (إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) أى من نسبهم أو من جنسهم عربيا مثلهم ليفقهوا كلامه بسهولة ويكونوا واقفين على حاله فى الصدق والأمانة مفتخرين به وفى ذلك شرف لهم عظيم قال الله تعالى (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) وقرىء (مِنْ أَنْفُسِهِمْ) أى أشرفهم فإنه عليهالسلام