(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ) (١٢)
____________________________________
الظاهر على أنه يلزم الفصل بين العامل والمعمول بالأجنبى على تقدير النصب بلن تغنى وهو قوله تعالى (وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ) إلا أن يجعل استئنافا معطوفا على خبر إن فالوجه هو الرفع على الخبرية أى دأب هؤلاء فى الكفر وعدم النجاة من أخذ الله تعالى وعذابه كدأب آل فرعون (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أى من قبل آل فرعون من الأمم الكافرة فالموصول فى محل الجر عطفا على ما قبله وقوله تعالى (كَذَّبُوا بِآياتِنا) بيان وتفسير لدأبهم الذى فعلوا على طريق الاستئناف المبنى على السؤال كأنه قيل كيف كان دأبهم فقيل كذبوا بآياتنا وقوله تعالى (فَأَخَذَهُمُ اللهُ) تفسير لدأبهم الذى فعل بهم أى فأخذهم الله وعاقبهم ولم يجدوا من بأس الله تعالى محيصا فدأب هؤلاء الكفرة أيضا كدأبهم وقيل كذبوا الخ حال من آل فرعون والذين من قبلهم على إضمار قد أى دأب هؤلاء كدأب أولئك وقد كذبوا الخ وأما كونه خبر عن الموصول كما قيل فمما يذهب برونق النظم الكريم والالتفات إلى التكلم أولا للجرى على سنن الكبرياء وإلى الغيبة ثانيا بإظهار الجلالة لتربية المهابة وإدخال الروعة (بِذُنُوبِهِمْ) إن أريد بها تكذيبهم بالآيات فالباء للسببية جىء بها تأكيدا لما تفيده الفاء من سببية ما قبلها لما بعدها وإن أريد بها سائر ذنوبهم فالباء للملابسة جىء بها للدلالة على أن لهم ذنوبا أخر أى فأخذهم ملتبسين بذنوبهم غير تائبين عنها كما فى قوله تعالى (وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ) والذنب فى الأصل التلو والتابع وسمى الجريمة ذنبا لأنها تتلو أى تتبع عقابها فاعلها (وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ) تذييل مقرر لمضمون ما قبله من الأخذ وتكملة له (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) المراد بهم اليهود لما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن يهود المدينة لما شاهدوا غلبة رسول الله صلىاللهعليهوسلم على المشركين يوم بدر قالوا والله إنه النبى الأمى الذى بشرنا به موسى وفى التوراة نعته وهموا باتباعه فقال بعضهم لا تعجلوا حتى ننظر إلى واقعة له أخرى فلما كان يوم أحد شكوا وقد كان بينهم وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم عهد إلى مدة فنقضوه وانطلق كعب بن الأشرف فى ستين راكبا إلى أهل مكة فأجمعوا أمرهم على قتال رسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزلت وعن سعيد بن جبير وعكرمة وعن ابن عباس رضى الله عنهم أن النبى صلىاللهعليهوسلم لما أصاب قريشا ببدر ورجع إلى المدينة جمع اليهود فى سوق بنى قينقاع فحذرهم أن ينزل بهم ما نزل بقريش فقالوا لا يغرنك أنك لقيت قوما أغمارا لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة لئن قاتلتنا لعلمت أنا نحن الناس فنزلت أى قل لهم (سَتُغْلَبُونَ) البتة عن قريب فى الدنيا وقد صدق الله عزوجل وعده بقتل بنى قريظة وإجلاء بنى النضير وفتح خيبر وضرب الجزية على من عداهم وهو من أوضح شواهد النبوة وأما ما روى عن مقاتل من أنها نزلت قبل بدر وأن الموصول عبارة عن مشركى مكة ولذلك قال لهم النبىصلىاللهعليهوسلم يوم بدر إن الله غالبكم وحاشركم إلى جهنم وبئس المهاد فيؤدى إلى انقطاع الآية الكريمة عما بعدها لنزوله بعد وقعة بدر (وَتُحْشَرُونَ) أى فى الآخرة (إِلى جَهَنَّمَ) وقرىء الفعلان بالياء على أنه عليهالسلام أمر بأن يحكى لهم ما أخبر الله تعالى به من وعيدهم بعبارته كأنه قيل أد إليهم هذا القول (وَبِئْسَ الْمِهادُ) إما من تمام ما يقال لهم أو استئناف لتهويل جهنم وتفظيع حال أهلها والمخصوص بالذم